ب ـ سرطان البنكرياس

وهو ينشأ من قنوات البنكرياس ، أو من خلاياه السنخية ، 60% من هذا الورم يصيب رأس البنكرياس ، و20% يصيب جسمه أو ذيله ، والباقي ينشأ في أماكن متعددة ، سرطان رأس البنكرياس يقع في منطقة إستراتيجية بالغة الأهمية ، فهو ، كما قلنا ، يملأ حنية الاثنا عشري ويلاصقها ، وفيه أو وراءه تمر القناة الصفراوية المشتركة والوريد البابي .
ثم إن هذه المنطقة الإستراتيجية ، قد ينشأ فيها السرطان من مصادر أخرى متعددة : نهاية القناة الصفراوية المشتركة ، أو "قارورة فاتر" التي سبق أن وصفناها في فصل عن تشريح الكبد والجهاز المراري ، أو الغشاء المخاطي فوق حلمة الاثنا عشري وما حولها .
ولما كانت الصورة الإكلينيكية واحدة بصرف النظر عن نشأتها، فإننا عادة نتعامل معها جميعاً تحت عنوان "سرطان رأس البنكرياس" وسيكون كلامنا فيما يلي بهذا المعنى.

سرطان رأس البنكرياس مرض خداع ، يندر أن يعلن عن وجوده في مرحلة مبكرة ، وأشهر أعراضه وعلاماته اليرقان ،وهو يرقان من النوع الانسدادي ، يبدأ مخاتلاً ويستمر ويزداد بلا هوادة ولا رجعة ، الأمل ليس دائماً من علاماته ، وإن حدث فهو إذن في فم المعدة ، وهو ألم مبهم وممض ، وقد يحس في وسط الظهر ، أو يزيد بعد تناول الطعام أو عند الاستلقاء ، وقد يريحه أن ينحني المريض ويجثو ، أما اضطرابات الهضم ، كفقد الشهية ، والغثيان والقئ والإسهال الدهني ، وفقد وزن الجسم ،فكلها شائعة ، وأما النزف فهو نوعان : نزف مفاجئ وشديد يعلن عنه بالبراز الأسود ، ونزف بطئ ومقيم لا نتنبه إليه إلا بعد ظهور الأنيميا ، أو تحليل البراز بحثاً عن الدم المختفي ، وبعض المرضى يظهر فيهم البوال السكري لأول مرة إذا تأثرت وظيفة البنكرياس في إفراز الإنسولين .

الفحص الإكلينيكي يظهر الكبد متضخماً وغير مؤلم ، أما تضخم المرارة وحسها كورم أملس غير مؤلم ، كروي الشكل أو أشبه بالكمثرى ، فله قيمة تشخيصية كبرى ، لأنه يدل على انسداد في القناة الصفراوية المشتركة ليس سببه حصيات مرارة (علامة كورفوازييه) ومن ثم نتنبه إلى ورم رأس البنكرياس كسبب لليرقان الانسداد ، أما ورم البنكرياس نفسه فيندر أن نحسه بجس اليد . والفحوص المساعدة كثيرة : التصوير بالموجات فوق الصوتية ، أو بأشعة الكمبيوتر المقطعية ، فحص المعدة والاثنا عشري بالمنظار ، تلوين القنوات المرارية وقناة البنكرياس بالمنظار ، ثم هناك طبعاً التحاليل التقليدية كوظائف الكبد ونسبة السكر في الدم ، أما الفحص الباثولوجي فيتوقف على العثور على خلايا سرطانية أو عينة نسيجية بواسطة المنظار إذا كان الورم متاحاً ، كما في حملة الاثنا عشري ، وأما التقاط عينة من رأس البنكرياس أو جسمه بإبرة موجهة ، فيحتاج إلى مهارة خاصة ،وفي حالات مواتية ، خاصة إذا كان التفريق بين الورم وبين التهاب البنكرياس المزمن متشابهاً . هذا الورم يصيب الذكور أكثر من الإناث ، ومعظم مرضاه بعد سن الستين ، وهو آخذ في الانتشار ، ذا تزداد نسبة المعمرين بين الناس ويتغير التركيب الديموجرافي للسكان . علاجه يندر أن يكون جذرياً وشافياً ، فالمرض عادة مستفحل عند تشخيصه ،والمريض عادة كبير السن منهك القوى , الاستئصال الكامل يتطلب إزالة رأس البنكرياس ومعه الاثنا عشري إذا كان الورم محدوداً ، وعادة نكتفي بالعلاج الملطف : فك اليرقان الانسدادي بجراحة توصل بين المرارة والأمعاء ، أو غرس أنبوبة من البلاستيك في جوف القناة الصفراوية المسدودة عن طريق المنظار ، والألم نخففه بالمسكنات ، ولا نبالي إذا احتجنا إلى المورفين للألم الشديد المقيم . متوسط الحياة بعد تشخيص المرض يعد بالشهور ، وأحياناً نفاجأ بالمريض داخلاً إلى العيادة بعد 5 سنوات من تشخيصه ـ هذا إذن خطأ منا في التشخيص ، فقد كان مريضاً بالتهاب البنكرياس المزمن ، لا بالسرطان وهو أمر كما قلنا متشابه ، ومعروف بين الأطباء ـ حتى كبارهم.
خريطة دليل الكبد السابق