ما هي العوامل المحددة التي تجعل النمط الظاهري لإنسان ما "ت" مساعدة 1 أو "ت" مساعدة 2؟

يتوقف ذلك على عوامل وراثية وبيئية تتكون في مقتبل العمر ،وقد اتجهت أبحاث كثيرة في مجال أمراض الحساسية إلى دراسة الخلية "ت" بأنواعها ، دراسة متعمقة . وثبت بالتجارب أنه يمكن السيطرة على النمط الظاهري للطفل وجعل أغلبية الخلايا "ت" فيه من النوع "ت" المساعدة 1 ، وهو النمط الطبيعي ، وذلك عن طريق الهندسة الوراثية والمناعية. وفي إحدى هذه التجارب ، يعطى الطفل الذي يقل عمره عن سنتين والذي لديه استعداد وراثي لأمراض الحساسية ، أمصالاً تتكون من أنتيجينات قوية مثل خلاصة حبوب لقاح الحشائش أو عتة تراب المنزل ، ممزوجة ببعض المواد المسماة"السايتوكاينز" لمدة سنة ، وبذلك يتحول النمط الظاهري للطفل من "ت" المساعدة 2 ، إلى "ت" المساعدة 1 أي يصبح شخصاً طبيعياً. وهذه الطريقة لم يتم تعميمها بعد ، ومازالت تحتد الدراسة.
ومن ناحية أخرى ، هناك أبحاث أجريت على فئران تعاني من الربو الشعبي ، وذلك بإعطائها حقن من مضادات معينة (سايتوكاينز).ورغم أن هذه التجارب أحرزت نجاحاً ، فإنها لم تطبق على الإنسان بعد . كما تجرى أبحاث على خلايا "ت" وغيرها ، وعلى الأجسام المناعية ، في محالة للتنبؤ بحدوث أمراض الحساسية في الأطفال الرضع أو حتى الأجنة ، مما قد يؤدي إلى تجنب حدوث المرض أصلاً . كما تم التوصل إلى بعض العقاقير الجديدة الطويلة المفعول لعلاج بعض حالات الربو الشعبي. ولما كانت مسببات الحساسية والتفاعلات المناعية متشعبة جداً ، فلم تنجح هذه العقاقير إلا مع عدد قليل من المرضى.
((ينبغي الإشارة هنا إلى أن أهم طرق الوقاية من الحساسية في مقتبل العمر ، تتمثل في حماية الأطفال الرضع من التعرض لمسببات الحساسية القوية مثل عتة تراب المنزل وحبوب اللقاح ، حتى لا تتكون لديهم حساسية مناعية مضادة "هـ" (IgE) ترفع من درجة استعدادهم للإصابة بأمراض الحساسية))
وهكذا يتضح أن الحساسية المناعية عملية مركبة ومعقدة ، وتتداخل فيها خلايا عديدة وإنزيمات ومواد كيميائية وسايتوكاينز. ولكثرة اشتراك الخلايا المناعية في نشأة الربو الشعبي ، أصبح تعريف المرض هو أنه "مرض مزمن التهابي غير ميكروبي" (وليس مجرد تقلصات في العضلات بالشعيرات الهوائية وضيق في التنفس) وبالتالي أصبح لا يعالج بالمضادات الحيوية إلا في الحالات التي يصاحب الحساسية فيها التهاب ميكروبي.
وإذا كنت قد تعرضت لنشأة الحساسية بشئ من التفصيل ، فإنما لكي يفهم القارئ الكريم أن العلم يتقدم باستمرار في مجال المناعة الإكلينيكية والحساسية ، وأن بلوغ الشفاء التام للمرض هو احتمال وارد ، وإن المداومة على تعاطي بعض العقاقير هو السبيل للسيطرة المستمرة على الأعراض ، كما سيتضح من خلال تناولنا لكل مرض على حدة.
خريطة دليل الحساسية السابق