عوامل تساعد على قصور الشرايين التاجية :ثالثاً التدخين (1)


مما لا شك فيه أن التدخين يعد من أهم العوامل المساعدة على الإصابة بأمراض الشرايين التاجية ، ويجب أن يوضع في الاعتبار دائماً أن للتدخين أضرار جسيمة ليس على القلب فقط ولكن أيضاً على الرئتين وسائر أعضاء الجسم.
وقد أصبحت الأدلة قاطعة في هذا المجال ، مما يؤدي إلى إجبار جميع شركات التدخين على وضع العبارات التحذيرية على علب السجائر ومن ضمن العبارات : التدخين قد يؤدي إلى الموت ....إلخ وبكل وضوح وصراحة.
نأتي إلى علاقة التدخين بأمراض القلب لنجد أنه في المراحل الأولى من الإصابة يؤدي التدخين إلى التأثير على كفاءة الشرايين التاجية مما يؤدي إلى حدوث انقباض في الشريان وبالتالي إلى قصور في تدفق الدم إلى عضلة القلب ، كذلك فإن التدخين يصيب جدار الشريان ويؤثر على قدرته على إفراز بعض المواد التي تعمل على توسعته ، كما أن إصابة جدار الشريان تؤدي إلى خلل في أدائه وتزيد من احتمال ترسيب الكولسترول والدهنيات وتزايد احتمالات الإصابة بجلطة في القلب ! ، وقد أثبتت البحوث أنه بعد تدخين سيجارة واحدة يحدث انقباض في الشرايين ويقل تدفق الدم اللازم لتغذية عضلة القلب ، كما يزيد التدخين من سرعة أكسدة الكولسترول مما يؤدي إلى ترسبه على جدار الشريان .
كذلك فإن التدخين يؤدي إلى سرعة وعدم انتظام ضربات القلب ، كما يؤدي أحياناً إلى هبوط في الضغط ، وهكذا نرى أن للتدخين آثاراً جانبية سيئة جداً على الشرايين التاجية ، ومع ذلك فإن التدخين منتشر جداً رغم حملات التوعية واسعة الانتشار في العالم كله ، وكثيراً ما يقابلني بعض المدخنين الذين يتساءلون قائلين : ولكن هناك الكثير من المدخنين الذي لم تصبهم أمراض الشرايين التاجية ، بينما هناك الكثير من غير المدخنين أصيبوا بالمرض ! فكيف تنصحنا بالامتناع عن التدخين؟ والإجابة ببساطة أن التدخين كما قلنا تنصحنا من قبل هو أحد العوامل المهمة المساعدة على الإصابة بأمراض الشرايين التاجية ولكن هذا لا يعني أن 100% من المدخنين سوف يصابون بالمرض ولكن احتمالات الإصابة للمدخن تزيد من 3 إلى 4 أضعاف غير المدخن ، وذا كان هناك تاريخ لهذا المرض في العائلة أو بعض العوامل المساعدة الأخرى فإن احتمالات الإصابة تزيد أكثر وأكثر ، أي يصبح التدخين مقامرة بحياة الشخص ، وقد نختلف في تقديرنا للأمور ولكن دون شك فإنه في حالة خسارة هذه المقامرة تكون العواقب جسيمة جداً ويبقى القرار النهائي من اختصاص كل شخص! وللعلم فإن احتمالات الإصابة تقل بنسبة كبيرة عند المدخن فور الإقلاع عن التدخين ، حيث تقل نسبة 80% في خلال سنتين من الامتناع وتصبح النسبة تقريباً متساوية مع الذين لم يدخنوا إطلاقاً بعد 4 سنوات ، وكما قلنا سابقاً إذا كان العامل الوراثي يعد أهم العوامل التي تساعد على الإصابة بأمراض الشرايين التاجية ، فإن التدخين يأتي بعده ولكن الفرق أن الإنسان لا يستطيع أن يتحكم أو يسيطر على العامل الأول ، حيث إنه مرتبط بالجينات والتي يأخذها الإنسان من آبائه ، بينما من الممكن السيطرة على عامل التدخين ، وكل ما يحتاجه الإنسان شئ من الإرادة والتحدي والمثابرة.
وللعلم فإن دخان السجائر يحتوي على حوالي 4000 مادة كيماوية ، والكثير منها يعتبر ساماً للجسم ، أما بالنسبة لمادة النيكوتين فقد أثبتت البحوث العلمية دون شك أنها تؤدي إلى الإدمان ، حيث أثبتت الدراسات أن خلايا مخ المدخن تصاب بخلل في أداء أحد الإنزيمات مما يؤدي إلى زيادة في مادة الدوبامين في خلايا المخ ، وهذه المادة تدفع المدخن للحصول على جرعة أكبر من النيكوتين.
وللتدخين أضرار عديدة على الجسم ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حيث توجد احصاءات دقيقة في هذا المجال وجد أن أكثر أنواع السرطان شيوعاً هو سرطان الرئة ، وأنه في حوالي 90% من تلك الحالات يكون السبب المباشر للإصابة هو التدخين ، فالتدخين يزيد احتمالات الإصابة بسرطان الرئة 22 ضعفاً ، كما أن التدخين يزيد أيضاً احتمالات الإصابة بأنواع أخرى من السرطان ، مثل سرطان الحنجرة ، الفم المرئ ، المثانة ، الكلى ، والبنكرياس ، ويعتبر التدخين مسئولاً مسئولية مباشرة عن موت حوالي 420000 أمريكياً كل عام !.
كذلك فإن المدخن يتعرض لخمسة أضعاف احتمالات الإصابة بأمراض ضيق الشعب الهوائية والإمفزيما ، وثلاثة أضعاف احتمالات الموت بأمراض الشرايين التاجية .
وتجدر الإشارة هنا إلى تأثير التدخين السلبي على المحيطين بالمدخن ، مثلما يحدث مع عائلة المدخن أو زملائه في العمل ، حيث يتعرضون باستمرار لاستنشاق هواء ملوثاً بدخان السجائر ، وقد أثبتت البحوث أيضاً أنهم عرضة للإصابة بتلك الأمراض ، حيث أثبتت البحوث العلمية أن الابتعاد عن المدخنين يقلل من احتمالات إصابتهم بالأمراض ، وفي عام 1964 اجتمعت لجنة من العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية وأثبتت لأول مرة بعض الأضرار الناتجة عن التدخين ، مما أدى إلى وضع علامات تحذيرية على علب السجائر وتدريجيا زادت حدة تلك العبارات حتى نجحت هذه الحملة في منع إعلانات السجائر تماماً في البرامج الإذاعية والتليفزيونية وكان ذلك عام 1971 ، وقد اشتدت الحملة مؤخراً على شركات السجائر ، وذلك نظراً لكثرة ضحايا التدخين مع الزيادة في التوعية العامة مما أدى إلى تحمل شركات التدخين مئات الملايين من الدولارات كتعويض للمرضى ، وقد يبدو ذلك رقماً ضخماً ولكن إذا عرفنا أن رأسمال هذه الصناعة حوالي 50 بليون دولار في السنة فسوف نجد أن ذلك رقم ليس بكبير ، وفي منتصف عام 1997 وكنتيجة لتزايد الحملة ضد شركات التدخين تم الاتفاق بين الحكومة الأمريكية وشركات التدخين على أن تقوم هذه الشركات بدفع 368 بليون دولار على مدى الخمس والعشرين سنة القادمة ، أي تقريباً 15 بليون دولار كل عام كتعويض للحكومة !
وسوف يذهب جزء من تلك المبالغ لعلاج المرضى المصابين بأمراض ناتجة عن التدخين ، كما يذهب جزء آخر للدعاية ضد التدخين ولإنشاء مشاريع للتوعية ضد أضرار التدخين ، كذلك فقد أصبح ممنوعاً تماماً أي نوع من الدعاية للسجائر مثل الصور في الجرائد والمجلات أو اللوحات الإعلانية ، وبالطبع فإن شركات السجائر ما كانت تقبل تلك العقوبات الشديدة إلا إذا كانت متيقنة من إمكانية تعويض تلك المبالغ الضخمة ومن المؤكد أنهم سوف يحاولون زيادة تعويض تلك المبالغ الضخمة ومن المؤكد أنهم سوف يحاولون زيادة مبيعاتهم خارج أمريكا وفي الدول العالم الثالث بصفة خاصة حيث يقل الوعي بأضرار التدخين والوعي الصحي بصفة عامة ، ولذلك لابد من حملة مضادة عنيفة ومركزة ضد التدخين في بلادنا لتكون أقوى مانع أمام هذا الخطر القادم .