القلب الرياضي (2)


قد يحدث أحياناً أن نسمع عن "أزمة قلبية " حدثت لشاب أثناء تأدية بعض التمارين الرياضية في أحد الأندية ،أو قد نسمع عن حدوث مرض في القلب لأحد المشاهير من الرياضيين العالميين ، مثلما سمعنا عن مرض هوليفيد بطل العالم في الملاكمة أو مرض كانو مهاجم منتخب نيجيريا أو مارفيتش نجم السلة الأمريكي والذي توفى فجأة أثناء إحدى المباريات ، والحقيقة أن كلا منهم كان مصاباً بمرض مختلف في القلب وليس لهذا المرض أية علاقة بالرياضة ، فهوليفيلد عنده عيب خلقي أي منذ الولادة ، في صورة ثقب صغير بين البطين الأيسر والأيمن ، و"كانو" أصيب في طفولته بحمى روماتيزمية أثرت على القلب في صورة ارتجاع في الصمام الأورطي ، وفي كلتا الحالتين كانت درجة الإصابة بالمرض بسيطة وبالتالي لم تؤثر على كفاءة القلب ولم تستطع أن تمنع تفوقهم الرياضي الفذ ،أما في حالة بيت مارفيتش أحد معجزات السلة الأمريكية والذي توفى عند سن 36 سنة أثناء إحدى المباريات ، فقد تم تشريح قلبه بعد الوفاة حيث كانت المفاجأة الكبرى أنه مولود بشريان تاجي واحد فقط وليس ثلاثة شرايين مثل كل البشر ، وعند ترسب الكولسترول على هذا الشريان الوحيد لم يستطع قلبه تحمل الموقف وتوفى .
وهكذا نلاحظ من الأمثلة الثلاثة الماضية أن كل حالة منها تختلف عن الأخرى وأن الرياضة لم يكن لها دور في الإصابة بالمرض ، ونظراً لشهرة وشعبية هؤلاء الأبطال ينتشر خبر إصابتهم بسرعة ويظن البعض بالخطأ أن الرياضة لها علاقة بمرضهم ، وقد حدثت بعض الحالات المشابهة في مصر مما أثار مشاعر القلق والتوتر في الأوساط الرياضية ، منها الوفاة المفاجئة لبطل الاسكواش عبد الحميد عارف مما أثار الكثير من القلق والإرتياب وجعل البعض يفكر جدياً في الابتعاد عن ممارسة الرياضة ، ورغم الفجيعة التي تمس الأهل والأصدقاء عند حدوث تلك الحوادث فللأسف كثيراً ما يحدث نوع من المبالغة في رد الفعل ، والسبب في ذلك أن الشباب الرياضي يمثل أكثر فئات المجتمع صحة وعافية ، وبالتالي فإن نظرة المجتمع لهم تتصور أن الأمراض يجب ألا تصيبهم وأن الموت يجب أن يكون بعيداً عنهم .
ومشاعر القلق والارتياب في الحقيقة تعبر عن الخوف والحيرة في الوقت نفسه حيث تظهر بعض التساؤلات المحيرة مثل : إذا كان ذلك يحدث للرياضيين الأصحاء فماذا سيحدث للآخرين؟ وماذا سيحدث لأولادي ؟ هل الرياضة خطر؟ هل أمنع أولادي عن ممارسة الرياضة ؟ تساؤلات كثيرة مهمة ومقلقة ومحيرة في نفس الوقت .
ولذلك لابد من توضيح هذه الأمور ووضعها في حجمها الطبيعي
أولاً : يجب ألا ننسى أن الموت حق علينا ،وأننا جميعاً سوف نموت في يوم من الأيام ولكن الأسباب فقط هي التي تختلف.
وعندنا ينصح الأطباء بالرياضة وتجنب التدخين والابتعاد عن الأمور الضارة بالصحة فإن الهدف هو تقليل احتمالات الإصابة بالأمراض المكتسبة ، وتلك النصائح مفيدة فعلاً في تقليل احتمالات الإصابة بالأمراض ـ ولكن هناك دائماً الكثير من الأمراض التي قد يولد بها الشخص والتي قد لا تظهر لها أعراض لعشرات السنين حتى عند مزاولة الرياضة العنيفة !.
مثال ذلك الثقب في قلب هوليفيلد ، أو ولادة بيت مارافيتش بشريان تاجي واحد ! ، ومن الصعب جداً اكتشاف تلك الأمور بدون إجراء جميع بحوث القلب بما فيها القسطرة التشخيصية ، وبالطبع فإن من المستحيل أن تتم تلك الإجراءات لجميع أفراد المجتمع للبحث عن تلك الأمراض النادرة جداً والتي قد لا تحدث إلا لواحد في المليون شخص .
ولكي نضع الأمور في حجمها الطبيعي ونجيب على الأسئلة التي تدور في ذهن كثير من أفراد المجتمع ، يجب أولاً أن نراجع البحوث الطبية التي درست احتمالات الوفاة المفاجئة في جميع أفراد المجتمع ثم نقارنها بتلك الخاصة بالرياضيين لكي نحدد إن كان هناك خطورة من ممارسة الرياضة أم لا .
فإذا نظرنا إلى أهم تلك البحوث ما نشر عام 1996 عن دراسة أجريت على 215500 ألف متسابق تتراوح أعمارهم بين 19 و58 سنة شاركوا في مسابقات الماراثون " الجري لمسافة 42 كيلو متر" سوف نجد أن احتمالات الوفاة بينهم كانت 1 من كل 50000 متسابق وبمقارنتها باحتمالات الوفاة عند باقي أفراد المجتمع وجد أن احتمالات الوفاة عند باقي المجتمع وجد أن احتمالات الوفاة المفاجئة عند باقي أفراد المجتمع أكبر بكثير بل إن احتمالات الوفاة المفاجئة عند هؤلاء المسابقين أقل 100 مرة عن النسبة المتوقعة !!.
أي أن ممارسة الرياضة بانتظام تقلل فعلاً من احتمالات الوفاة المفاجئة وبالتالي لا يوجد أي داع للقلق والارتياب منها ، وذلك مع ضرورة مراعاة الحالة الصحية لكل ممارس للرياضة .
والمؤكد أن الرياضة تفيد جميع أعضاء الجسم بما فيها القلب ولا داعي إطلاقاً للتخوف منها ولا توجد أي أضرار من مزاولتها لأصحاب القلوب السليمة .
وغني عن الذكر أن الاحتياط المعقول والمعتاد في جميع بلاد الدنيا يقتضي من كل فرد أن يجري فحصاً طبياً عادياً قبل انتظامه في ممارسة الرياضة وخصوصاً الرياضة العنيفة وذلك لمجرد التأكد من خلوه من أي مرض خاص وراثي أو مكتسب يحول دون هذا الانتظام أو يتطلب منه عناية خاصة .