الحماض الكيتوني

 بشكل عام ترجع أسباب حدوث الحماض الكيتوني إما بسبب تناول وجبات تحتوي على كميات كبيرة من الدهن وكمية قليلة من الكربوهيدرات ـ أي أقل من 75 جم في اليوم ـ أو بسبب الصيام الطويل أو بسبب النقص الشديد للأنسولين أو عدم عدم وجوده في الدم كما في مريض السكر وهذا هو موضوعنا.
وأسباب تدهور حالة مريض السكر لدرجة ظهور الحماض الكيتوني هي إما بسبب اكتشاف المريض لأول مرة وعدم علمه بأنه مريض سكر أو تعرضه لضغط نفسي أو التهاب جرثومي أو جلطة في القلب أو الدماغ أو بسبب عدم تعاطيه حقن الأنسولين المقررة له بعد أن علم أنه مريض من النوع الأول أو أنه أصبح لا يستجيب للعلاج بالأدوية الفموية المخفضة للسكر ولم يحول إلى المعالجة بالأنسولين.
أ ـ الإمراضية :
في الأشخاص العاديين فإنه تحت تأثير الأنسولين فإن 50% من الجلوكوز الوارد من الطعام تنتج طاقة بتحولها إلى ماء وثاني أكسيد الكربون Co2 و5% تتحول إلى جلايكوجين و 30-40% تتحول إلى دهون.
أما في مريض السكر فإن أقل من 5% من الجلوكوز تتحول إلى دهن ولا تزيد كمية الجلايكوجين في الكبد مما يجعل كمية الدهون في الدم ضعف المعدل الطبيعي لدى مريض السكر ....ما جعله جديراً بأن يسمى مرض الدهون بدلاً من مرض السكر.
وأيضاً في مرض السكر فإن انخفاض الأنسولين يتسبب في تراكم السكريات وعدم دخولها وكلما زاد النقص زاد تراكم الجلوكوز حيث يبلغ أوجه في مرض السكر المعتمد على الأنسولين ـ النوع الأول ـ حيث تصاب الخلايا بالجوع إلى الجلوكوز والحاجة الملحة إلى الطاقة رغم توفر الجلوكوز في الدم.
ولحاجة الخلايا إلى الطاقة وقلة إفراز الأنسولين أو انعدامه وزيادة إفراز الهرمونات المضادة للأنسولين وأهمها الجلوكاجون فإن الدهون تنساب من الخلايا الدهنية بشكل أحماض دهنية بكميات كبيرة إلى الدم ثم تدخل خلايا الجسم لتصبح مصدراً بديلاً من الطاقة حيث تحول إلى أستيل كوانزيم A وللشح الشديد في السكريات فإن دورة كريب تكون قليلة العدد ـ أي مثبطة عن العمل ـ ولا تستطيع استيعاب كمية الإستيل كوانزيم A والذي يتراكم في الخلايا وفي عدد من الأنسجة تتكثف وحدتان من الأستيل كوأنزيم A والذي يتراكم في الخلايا وفي عدد من الأنسجة تتكثف وحدتان من الأستيل كوأنزيم A ليعطينا أسيتو أستيل كوأنزيم Acetoacetyl Co A والذي يتحول في الكبد فقط إلى أسيتو أستيت Acetoacetate الحر وذلك لأن الكبد هو النسيج الوحيد الذي به أنزيم Deacylase الذي يخلص Acetoaceyl Co A من كوأنزبم Co A.

والأسيتو يمكن تحوله إلى طاقة وثاني أكسيد الكربون بسهولة في جميع الأنسجة ما عدا الكبد وحيث أنه يتكون بكمية كبيرة فإنه يتحول إلى B-Hydroxy Butyrate وأسيتون Acetone.
وحيث أن هذه المواد الثلاثة والتي تسمى الأجسام الكيتونية Ketone Bodies تستقلب بصعوبة في الكبد فإنه تنطلق إلى الدم بكميات كبيرة تستهلك بعض أنسجة الجسم جزء منها مثل الدماغ والعضلات والفائض منه يتراكم في الدم مسبباً أعراض الحماض الكيتوني ويظهر الأسيتون في البول والزفير أثناء التنفس.
وجد بأن قدرة أنسجة مريض السكر في استهلاك الأجسام الكيتونية تظل جيدة ولا يسمح لها بالظهور بشكل ملموس ما دام معدل استقلابه لا يتجاوز 2.5 جم من الدهون لكل كيلو جرام من وزن الجسم يومياً مما يدل على أن المريض في حاجة إلى الدهون ولكن بكمية قليلة أي من 50 إلى 80 جم.
ب التشخيص :
1ـ تغيير في مراكز الإحساس حيث يبدو الارتباك والإعياء على المريض و 50% يحضرون في حالة إغماء.
2ـ سرعة التنفس وعمقه (جوع الهواء أو تنفس كسمول) وهي محاولة للتخلص من الحماض الكيتوني.
3ـ شم رائحة الإسيتون من تنفس المريض ووجود الأجسام الكيتونية في الدم والبول.
4ـ غثيان وقئ يكون موجوداً في غالب المرضى وبشكل متكرر مما يسبب زيادة فقدان السوائل والإليكتروليتات.
5ـ آلام بطنية يشتكي منها ثلث المرضى والتي مع الغثيان والقئ يمكن أن تحاكي إلتهاب المعدة والأمعاء الفيروسية أو آلام البطن الحادة التي تستدعي الجراحة.
6ـ العطش الشديد وجفاف الأغشية المخاطية وهذا يعكس نضوب الماء والذي يصل في أغلب الأحيان (في المرضى) ما بين 4-5 لترات.
7ـ نقصان الوزن.
8ـ تاريخ سكري لدى 90% من المرضى وغالباً ما يكون مستوى سكر الدم قد تجاوز 300ملجم/100مل.
9ـ انخفاض درجة الحرارة تحت المعدل الطبيعي حتى إذا كان هناك مصدر عدوى وأثناء المعالجة قد ترتفع درجة الحرارة بسبب تلك العدوى.
10ـ ترتفع حموضة الدم فإذا أصبح الأس الهيدروجيني ph أقل من 7 فإن جميع وظائف النظام الإنزيمي المعتمد على الأس الهيدروجيني سوف تعاق أو تتوقف وإذا لم يعالج المريض بشكل سريع وعاجل فإن الحماض الكيتوني سوف يؤدي به إلى الموت.
جـ ـ المعالجة الفورية والمستمرة:
حيث أن الحماض الكيتوني يترافق مع خمس تغييرات فسيولوجية والتي يجب تقسيمها وتصحيحها بشكل فوري وهي تشمل:
1ـ ارتفاع مستوى السكر في الدم في حالة دورة دموية في الكلى سليمة فإن مستوى الجلوكوز نادراً ما يتجاوز 400ملجم/100مل أما إذا أصبحت الدورة الدموية في الكلى مختلة بسبب زيادة فقدان السوائل وعدم كفاءة الترشيح الكلوي فإن مستوى الجلوكوز سوف يتجاوز 400ملجم/100مل.
2ـ ارتفاع حموضة الدم بسبب تجمع الأجسام الكيتونية.
3ـ نقصان حجم الدم بسبب كثرة فقدان السوائل والإلكتروليتات في البول والقئ الشديد مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وخاصة عند الوقوف (ويمكن مراقبة ذلك عن طريق وريد الرقبة والضغط الوريدي المركزي وهذان يدلان على شدة نضوب السوائل).
4ـ زيادة أسمولية الدم وهذا يزيد فقدان السوائل ويؤدي إلى الإغماء وتعتبر أسمولية الدم قد زادت إذا تجاوزت جلوكوز الدم أكثر من 500ملجم/100مل وهذا يؤدي إلى ضعف الارتشاح الكلوي.
5ـ نقصان البوتاسيوم غالباً ما يحدث في كمية البوتاسيوم الكلية بينما في عينة الدم تكون طبيعية وهذا قد يخدعنا أثناء المعالجة.
إجراء معالجة الحماض الكيتوني:
تعتبر المحاليل الوريدية والأنسولين العادي هي حجر الأساس في المعالجة بالإضافة إلى إعطاء البوتاسيوم والبيكربونات ومحلول الجلوكوز وهناك خطوتان في المعالجة وتشمل المعالجة الفورية والمعالجة المستمرة.
1ـ المعالجة الفورية:
أـ تعطى 6-10وحدات أنسولين عن طريق الوريد أو في محلول أو (20) وحدة في العضل ثم نعطي 6ـ10 وحدات كل ساعة عن طريق الوريد أو عن طريق العضل مع إجراء تقدير الجلوكوز في الدم كل ساعة بحيث يكون معدل انخفاض الجلوكوز الدم قد يتسبب في فقدان السوائل أو وذمة دماغية وخاصة عند الأطفال.
يمكن وضع الأنسولين في محلول ملحي 0.9% ثم أخذ الجرعات المناسبة منه ويجب عدم إعطاء الأنسولين تحت الجلد وذلك لضعف الدورة الدموية في الجلد ولا يستخدم الأنسولين طويل المفعول لخطورة ذلك عند إعطائه عن طريق الوريد وعدم الاستفادة منه عند حقنه تحت الجلد.
استخدام الجرعات العالية من الأنسولين كما كان في السابق تسبب وذمة الدماغ أو أعراض نقصان سكر الدم ونقصان البوتاسيوم في الدم ولذا فضلت الجرعات المنخفضة وإليك تفسير ذلك:
لماذا تستخدم جرعات منخفضة من الأنسولين في معالجة الحماض الكيتوني:
في حالة تعاطي النشوية يرتفع سكر الدم وهذا ينبه إفراز الأنسولين ويثبط إفراز الجلايكوجين وإفراز الأنسولين بكميات كبيرة تقلل تركيز الجلوكوز في الدم وتدخله بشدة إلى الخلايا وكذلك تمنع تكون الجلوكوز من المصادر الأخرى ويجعل الاستفادة من الجلوكوز عند أقصى مداها ،أما إذا نقص الأنسولين إلى مستوى منخفض جداً فإن الجلوكوز يزيد في الدم ويزيد تكونه من مصادر أخرى وتصبح الاستفادة منه عند أدنى مستوى وتتكون الأجسام الكيتونية ولكن في حالة توفر كمية أكبر من الأنسولين (تكفي لإدخال بعض الجلوكوز وليس كله) فإن الجلوكوز يبقى مرتفعاً في الدم ولكن هذه الكمية لا تسمح بتكون الأجسام الكيتونية وترتفع الاستفادة منه نسبياً وتقل كمية الجلوكوز المتكون من مصادر أخرى وبهذا المبدأ فإن في معالجة الحماض الكيتوني أو الإغماء الكيتوني حيث تستخدم جرعات صغيرة 5-10 وحدات /الساعة من الأنسولين لترتفع الاستفادة من الجلوكوز وتمنع تكون الحماض الكيتوني وتمنع تكون الجلوكوز من مصادر أخرى وباعتدال تسمح بإدخال البوتاسيوم والجلوكوز من الدم وهذا بدوره لا يسمح بحدوث أعراض نقصان السكر أو البوتاسيوم أو وذمة الدماغ أو نزوح سوائل الدم إلى الخلايا بشدة.
أما إذا أعطيت جرعات عالية من الأنسولين فإن هذا سوف يسبب دخول الجلوكوز والبوتاسيوم بسرعة شديدة إلى مختلف الأنسجة مثل العضلات والمخ مسبباً ظهور أعراض نقصان سكر الدم وأعراض نقصان البوتاسيوم وبسبب فرق التركيز بين البلازما والدماغ والذي يحدث بإعطاء جرعات عالية من الأنسولين تحدث وذمة الدماغ الخطيرة Cerebral Odema
والتي تؤخر الإفاقة من الغيبوبة وقد تسبب مضاعفات عصبية مستديمة.
ب ـ المحاليل الوريدية:
يجب أن تبدأ في الحال ويعطى أو لتر من المحلول (0.9%) إيزوتونيك Isotonic خلال 20-60 دقيقة معتمدين على شدة الجفاف ونضوب السوائل وذلك لتعويض النقص الحاصل من الإليكتروليتات ولزيادة الأس الهيدروجيني ph أما المحلول الملحي 0.45% هيبوتونيك Hypotonic لا تساعد في تصحيح الإلكتروليتات (الشوارد المعدنية).
جـ ـ محلول الجلوكوز 5% لا يعطي إلا إذا أصبح جلوكوز الدم أقل من 250 ملجم/100مل لإمداد الجسم بالغذاء اللازم.
دـ في حالة الصدمة في العادة تستجيب بإعطاء المحاليل الوريدية بكمية كافية وقد يحتاج الأمر إلى البلازما أو ممدد البلازما لتصحيح انخفاض حجم الدم.
هـ ـ إذا وجد أن بوتاسيوم المصل انخفض أثناء المعالجة أو في البداية يمكن إعطاء كلوريد البوتاسيوم في الزجاجة الأولى والثانية من المحلول الوريدي بعد التأكد من أن انسياب البول أكثر من 50 مل الساعة وسلامة وظيفة الكلى.
و ـ تثبيت قسطرة في المثانة لمراقبة إنتاج البول وإدخال أنبوبة معدة عن طريق الأنف وذلك لمنع انتفاخ البطن ومنع ذهاب القئ إلى الرئة وتثبيت قسطرة المثانة والأنبوبة المعدية خاصة في حالة المريض المغمي عليه.
ز ـ البحث عن أي مصدر إلتهابي ميكروبي وذلك بعمل أشعة للصدر والبحث عن وجود التهاب في المثانة أو الكلية أو خراج في مكان مخفي وغيره.
2ـ العلاج المستمر:
أـ تعيين مستوى الجلوكوز في الدم وكذلك تعيين وجود الكيتون في الدم والبول كل ساعة هام ويفيد في إظهار سرعة التجاوب مع المعالجة إذا لم ينقص مستوى الجلوكوز في الدم خلال الساعتين الأولى بنسبة 10% فإنه يجب إعطاء ضعف جرعة الأنسولين كل ساعة حتى تحدث الاستجابة.
يعطى محلول الجلوكوز 5% بعد انخفاض جلوكوز الدم إلى 250ملجم/100مل لتحاشي مشاكل نقصان سكر الدم Hypoglycemia.
ب ـ من النادر احتياج محلول البيكربونات لتخفيف حموضية الدم إذ أن السوائل تكفي لوحدها وتعطى عندما يكون تركيز البيكربونات أقل من 10 ملل مكافئ (NaHCO3<10m Eq/L) والأس الهيدروجيني أقل من 7.1 ولا تزيد الكمية المحتاج إليها عن 100ملل مكافئ في الساعة إذ أن زيادة البيكروبونات قد تؤدي إلى نقيض ذلك في حموضة CSF وتثبيط انتقال الأوكسجين بواسطة الهيموجلوبين.
جـ ـ يجب قياس بوتاسيوم الدم كل ساعة ويستنتج نقصان البوتاسيوم من مدى شدة انخفاض حموضة الدم في حالة عدم المقدرة على قياس البوتاسيوم وإن عدم المراقبة الجيدة للبوتاسيوم هي أشهر الأسباب في الموت أثناء المعالجة من حماض الدم وحينما يكون انسياب البول كافياً نبدأ في إعطاء محلول كلوريد البوتاسيوم بمعدل 20 ملل مكافئ كل ساعة (20m Eq/h) أو أقل ويكون معدل الإعطاء أسرع في حالة نضوب حاد لسوائل الجسم مع المراقبة الدقيقة لتحاشي توقف القلب أثناء المعالجة بسبب زيادة البوتاسيوم وزيادة الأسمولية تبلغ ذروتها بالهبوط الكلوي وتكون الخثرة ـ الجلطات الدموية ـ Thrombus والانهيار الوعائي Vascular Collapse.

خريطة دليل مرض السكر السابق