رابعاً: صورة الدم وتحاليله

 تختل صورة الدم في كثير من أمراض الكبد ، خاصة في تليف الكبد ، ويزداد الخلل إذا كان مصحوباً بالاستسقاء ، عندئذ يزداد حجم الدم من الزيادة في نسبة البلازما على حساب الكرات الدموية ، أي يصبح الدم مخففاً ، كذلك يحدث أحياناً أن يتضخم الطحال و"يتوحش" ، فيلتهم الكرات الحمراء أو البيضاء أو الصفائح الدموية ، بعضها أو كلها ، ونواجه ما نسميه"فرط الطحالية Hupersplenism" . 

الكرات الحمراء ينقص عددها في تليف الكبد عادة ،وقدالكبد،حجمها أو يصغر ، تنقص نسبة الهيموجلوبين ، هذه الأنيميا لها أسباب عدة في مرض الكبد ، منها سوء التغذية ، والنزف من القناة الهضمية خاصة دوالي المرئ والمعدة ، وضعف تجلط الدم ، ونقص حمض الفوليك وفيتامين ب12 اللازمين لتكوين الكرات الحمراء ، ثم هناك مجموعة من أمراض الدم نسميها "الأنيميا التحليلية Hemolytic anemias" تؤدي إلى تحلل الكرات الحمراء لأسباب مختلفة ، وتصاحبها عادة أعراض وعلامات لإصابة الكبد والطحال يسهل تشخيصها بالوسائل المعملية . 

الكرات البيضاء هي الأخرى ينقص عددها في مرضى تليف الكبد ، ولكنها تزيد في مرضى التهاب القنوات المرارية وفي خراج الكبد وسرطان الكبد .

  صفائح الدم لها وظيفة مزدوجة : سد الثغرات في جدران الأوعية والشعيرات الدموية ، والمشاركة في تجلط الدم عند الحاجة ،واختلال الصفائح قد يكون كماً أو كيفاً ، أي من نقص في عددها أو في وظائفها (تجمعها وتلاصقها) ، وهذا الاختلال شائع في كل أمراض الكبد ، إلا أنه إذا زاد عن حده تسبب في أعراض سرعة النزف ، كما في الأنف واللثة ، وكدمات الجلد ،والفرفرية التي سبق أن وصفناها ، وتزداد شدة الأعراض بازدياد نقص الصفائح كما في حالة "فرط الطحالية" ، وقد تصاحبه الأنيميا الشديدة ونقص الكرات البيضاء .

أما تجلط الدم Blood Coagulation ، فعملية ضخمة ومعقدة يحتاج شرحها إلى موقع قائم بذاته ، يكفي أن نقول ، في معرض الكلام على الكبد وأمراضه ، إن ما لا يقل عن 20 عاملاً أساسياً يشارك في عملية التجلط ، كلها بروتينية في طبيعتها ،وأكثرها يحتكر الكبد تخليقها أو يشارك فيها . وتبدأ القصة باختصار شديد ، وبمنتهى التبسيط ، بمادتين أوليين في الدم الطبيعي ، هما البروثرومبين والفيبروينوجين ، وعندما ينزف الدم من وعاء مقطوع يتحول البروثرومبين إلى ثرومبين ، ويقوم هذا الثرومبين هو الآخر بتحويل الفيبرينوجين إلى فيبرين ، وهذا هو الهدف الأخير لتكوين شبكة ليفية محكمة تسد الثغرة في الوعاء النازف . هذه القصة البسيطة وراءها ادوار وممثلون كثيرون ، نشفق على القارئ من تفاصيلها ، وسنذكر بعضاً منها في أماكنها المناسبة من الموقع . يكفي مرة أخرى أن نقول إن كثيراً من هذه العوامل (الممثلين) المشاركة في التجلط يعتمد تخليقها على فيتامين ك ، وهو بدوره يحتاج إلى أملاح الصفراء لامتصاصه مع الدهنيات من الأمعاء . الكبد إذن هوسيد الموقف ، وقائد الأوركسترا ،وكاتب السيناريو ، ومخرج المسرحية ، لا غرو إذن أن تكون سيولة الدم من أهم أعراض مرض الكبد وعلاماته ، وأهم اختبار له هو قياس سرعة ونسبة البروثرومبين ، أما بقية التحاليل لمراحل التجلط الأخرى فمعقدة ومكلفة ، ويندر أن نحتاج إليها في فحوصنا الروتينية .
خريطة دليل الكبد السابق