البداية1

يقصد بكلمة "مناعة" ، قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد العوامل المسببة للأمراض مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات ، وذلك عن طريق قيام الجهاز المناعي للإنسان (يعرف بالحملة الشبكية البطانية) بإفراز أجسام وخلايا مناعية مضادة لهذه المسببات المرضية المذكورة. ومن الأجسام المناعية الأنواع : "أ" "IgA" و "جـ" "IgG" و "م" "IgM" ، وهي تصنع بواسطة خلايا ليمفاوية معينة داخل خلايا الجهاز المناعي للجسم. وهناك أيضاً "الخلايا العدلية" (النيتروفيل) التي لها قدرة على إفراز مواد تقلل من حيوية الميكروبات ثم لا تلبث أن تلتهمها ، وبذلك يتمكن الشخص الطبيعي من مقاومة المرض. أما إذا كان عدد الميكروبات كبيراً ، فقد يصاب المريض بأعراض التهابية تستثير جهازه المناعي الذي لا يلبث أن ينتج الأجسام المناعية الخاصة ضد الميكروب ، وبالتالي يقضي على المرض ويشفى المريض ليكتسب غالباً مناعة طويلة المدى ضد هذا المرض.
ونحن عندما نتحدث عن الحساسية لا نقصد ذلك النوع من المناعة الطبيعية. وكثير من المرضى يعتقدون أن تعرضهم لأمراض الحساسية ناتج عن أن مناعة أجسامهم ضعيفة فلا تستطيع مقاومة الأمراض. وهذا اعتقاد غير صحيح ، فالجسم المناعي المسئول عن أمراض الحساسية ، غالباً نسبة الجسم المناعي "IgE" منخفضة ، أما في كثير من أمراض الحساسية فترتفع النسبة ، خاصة في حالات حساسية الأنف وإكزيما الجلد التأتبية ، وفي بعض حالات الربو الشعبي والأرتكاريا . وبسبب وجود هذا الجسم المناعي وخلايا كثيرة أخرى (سوف نذكرها فيما بعد) ، تتولد أمراض الحساسية.
إن بعض مكونات البيئة مثل حبوب اللقاح ، عتة تراب المنزل ، البيض.....إلخ ، تعتبر أشياء طبيعية بالنسبة للشخص العادي ، بينما يعتبرها الجهاز المناعي في مريض الحساسية أشياء غريبة عنه ، فلا يلبث أن ينتج أجساماً مناعية مضادة ، أغلبها من النوع "IgE". ويتفاعل الجسم المناعي "IgE" مع الأنتيجينات الطبيعية الموجودة في أنسجة مختلفة من جسم المريض ، وتنتج عن هذا التفاعل ـ حسب نوع النسيج الذي تم فيه التفاعل ـ أعراض الحساسية مثل الأرتيكاريا ، إكزيما الجلد ، حساسية الأنف ، ضيق الشعب الهوائية.
يتضح مما سبق أن مريض الحساسية لا يعاني خللاً يجهازه المناعي ، وإنما الذي يحدث هو أن جهازه المناعي ينتج أجساماً مناعية (غالباً IgE ) ضد أنتيجينات بيئية طبيعية مما يسبب حدوث الحساسية. وكما ذكرنا فهناك خلايا كثيرة تلعب دوراً مهماً في تفاعلات الحساسية.
ويطلق اسم "أنتيجين" على أي مادة مولدة مضادة لها. والأنتيجينات قد تكون في صورة ميكروبات مرضية تهاجم جسم الإنسان ، مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات ، فتستثير الجهاز المناعي لإنتاج الأجسام المناعية "IgG" , "IgM" ,"IgA" أو قد تكون مكونات طبيعية في البيئة مثل حبوب اللقاح والأتربة ، فتستثير إفراز الجسم المناعي "IgE" ومواد كيميائية ، وتنشط خلايا أخرى مختلفة . وبالطبع لا تحدث الحالة الأخيرة إلا في الشخص الذي لديه استعداد للإصابة بالحساسية ـ أي الشخص الذي يسلك جهازه المناعي سلوكاً غير طبيعي.


والواقع أن ما يحدث من زيادة الأجسام المناعية من النوع "IgE" أو تنشيط الخلايا في أنسجة مريض الحساسية ، هو مسألة معقدة تلعب فيها خلايا كثيرة دوراً مهما حيث تقوم بإفراز مواد كيمياوية وإنزيمات وسايتوكاينز(مواد بروتينية تفرزها خلايا الدم البيضاء وخلايا أخرى ، وهي عدة أنواع بعضها يعمل على تنشيط التفاعلات المناعية والبعض الآخر له تأثير مثبط لهذه التفاعلات) . من خذه الخلايا ، الخلية البدينة (خلية ماست) والتي تخرج منها ومن جدرانها بعد التفاعل مع الأنتيجينات المخلتفة ، مواد كيميائية عديدة منها الهستامين وبعض الإنزيمات واللوكوتراينز (مواد كيميائية تفزرها جدران بعض الخلايا المناعية مثل الخلية البدينة وغيرها ،وهي تلعب دوراً مهماً في التفاعلات المناعية ، مثل دورها في التفاعل التي تصاحب حساسية الربو الشعبي وتسبب تقلص عضلات الرئتين وبالتالي ضيق الشعيبات الهوائية) والسايتوكاينز...إلخ . وهناك أيضاً "الخلية الحمضية " (الإزينوفيل) التي يزداد عددها وحيويتها عندما تتم استثارتها ، فلا تلبث أن تنتج بروتينات ضارة بالخلايا المحيطة بها (مثل الخلايا المبطنة للجهاز التنفسي) وهو ما يحدث في حالات حساسية الشعب الهوائية نتيجة التعرض للأتربة الموجودة بصورة طبيعية في البيئة مما يسبب تقلصاً في عضلات الشعب الهوائية.
وقد تضر هذه البروتينات ببعض خلايا الجلد ، وتسبب ظهور أنواع مختلفة من الطفح الجلدي ، وهناك أيضاً أنواع من الخلايا اللميفاوية ، منها الخلية "ت" التي تنقسم بدورها إلى عدة أنواع ، وهي تلعب دوراً كبيراً في التحكم والسيطرة على بعض الخلايا الأخرى وتوجيه التفاعلات المناعية . وهناك أيضاً "خلية البطانة الوعائية" التي تبطن الأوعية الدموية ، وهي تعمل أثناء التفاعلات المناعية على خروج خلايا موجودة بالدم داخل الأوعية الدموية (خاصة الخلية الحمضية) إلى الأنسجة المحيطة بها . وهناك أيضاً "الخلايا الظاهرة" المكونة للأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وغيرهما. وهناك شبكة من "السايتوكاينز" تؤثر على نشاط الخلايا المناعية بالزيادة أو النقصان ، فتؤثر بالتالي على كمية وأنواع المواد الكيميائية والإنزيمات والبروتينات ، وأيضاً على السايتوكاينز التي تفرزها هذه الخلايا، ولذا فهي تتحكم في الأعراض المختلفة لأمراض الحساسية.
خريطة دليل الحساسية السابق