عوامل تساعد على قصور الشرايين التاجية :سادساً التوتر العصبي (1)


عند تشخيص أمراض الذبحة الصدرية عند أي مريض لا تخلو تعليمات الطبيب من جملة يرددها جميع الأطباء : عليك الابتعاد عن الضغوط العصبية !فما هو تعريف الضغوط العصبية ؟ ، وما هو تأثيرها وكيف يمكن التغلب عليها ؟.
الضغط العصبي يختلف من شخص لآخر بناء علي رد فعل هذا الشخص لحدث ما ، فمثلاً عند قيادة السيارة قد يوشك القائد على الاصطدام بسيارة أخرى ، وهنا يختلف رد الفعل ، فبعض الناس يتأثر بعنف ويأخذ في سب قائد السيارة الأخرى ويوقف المرور لتأنيبه وصب جام غضبه عليه ، بينما قد يمر شخص آخر بنفس التجربة ويكون رد فعله أهدأ بكثير ويبتعد عن السيارة الأخرى ويستمر في طريقه كأن شيئاً لم يقع ،وفي الحالة الأولى نستطيع أن نقول إن هذا الشخص تعرض لضغط عصبي عنيف بينما نفس الحدث لم يؤثر إطلاقاً على الشخص الآخر إذن فإن عوامل الضغوط (التوتر) العصبية تختلف من شخص لآخر ولذلك يصبح من الصعب جداً تعريف عوامل الضغط العصبي وخاصة أنها قد تختلف من يوم لآخر وحسب الحالة النفسية لهذا الشخص ، ولكن نستطيع أن نقول بصفة عامة إن الضغط العصبي هو أي حدث يؤدي إلى انفعال وضيق شديد ينتج عنه تغيرات فسيولوجية حادة مثل ارتفاع في ضغط الدم وسرعة في النبض ، وقد يحدث عدم انتظام في ضربات القلب ، ولكن الأهم هو حدوث تغيرات في ديناميكية حركة الدم على جدران الشرايين عامة والتاجية منها خاصة ، ونتيجة لهذا التغير في ديناميكية حركة الدم على الشرايين التاجية يصبح من السهل التأثير السلبي على الشريان حيث يحدث نوع من الإصابة الطفيفة في جدران الشريان مما يساعد على ترسيب الكولسترول والدهنيات ، ولكن فإن أخطر آثار التوتر تحدث عندما يؤثر على ديناميكية تدفق الدم على جدار الشريان التاجي ، حيث يؤدي إلى شرخ في الطبقة التي تغطي الكولسترول المترسب على جدار الشريان ، وهذا الشرخ يؤدي إلى تكوين جلطة في الشريان مما يؤدي إلى انسداد تام في ذلك الشريان ومنع الدم من التدفق عن طريقة إلى عضلة القلب ! لذلك فإن التوتر من أهم العوامل وقد يكون أكثرها انتشاراً رغم صعوبة قياسه أو تحديد درجته ، ولكنه من دون شك قد اصبح في يومنا هذا مرض العصر ، ولكي نستوعب درجة خطورته وتأثيره يجب أن نعلم أنه عند دراسة أكثر المهن عرضة للإصابة بأمراض الشرايين التاجية وجد أنها وظائف العاملين في البورصة وبالذات الذين يقومون بالمضاربة فيها ، فرغم صغر سنهم النسبي فإن أعلى نسبة إصابة بأمراض الشرايين التاجية وجلطة القلب قد وجدت بينهم ! وذلك نتيجة للتوتر الشديد المستمر والناتج عن تعاملاتهم مع مبالغ كبيرة جداً ،حيث تصبح احتمالات الخسائر الجسيمة مرتفعة جداً مما يعرضهم لتوتر شديد قد تكون عواقبه وخيمة !.
ونظراً لخطورة التوتر فلابد لكل شخص من البحث عن أسبابه والعمل على الابتعاد عنها ، وهذا بالطبع ليس بالأمر السهل ولكن أول خطوة هي الاقتناع بخطورته ثم تحديد أسبابه ورغم أن الأسباب قد تبدو كثيرة وقد يبدو أنه لا مفر من مواجهتها إلا أنه أهم عنصر هو كيفية التعامل معها! فيجب أن يعلم الشخص أن التوتر لا يفيد ولا يجدي ! وأنه لن يحل المشكلة بل قد يقلل من مقدرة الفرد على التعامل مع المشاكل حيث تطغى الانفعالات على العقلانية مما قد يتسبب في تعقيد الأمور أكثر وهو ما قد يدخل الشخص في حلقة مفرغة من المشاكل ، كذلك لابد من البحث عن وسائل لتفريغ شحنات الانفعالات الداخلية بانتظام ، فمثلاً المشي لمدة ساعة يومياً وبالذات في الصباح يساعد على الاسترخاء والصفاء الذهني مما يضاعف من قدرة الشخص على التعامل مع مشاكل الحياة بكل أنواعها ، كذلك يجب الحرص على المواظبة على ممارسة هواية تدخل السرور إلى النفس ، وهي تختلف بطبيعة الحال من شخص إلى آخر فقد تتراوح ما بين الرياضة العنيفة مثل رفع الأثقال عند البعض إلى جلسة يومية في إحدى الحدائق أو النوادي عند البعض الآخر ، وفي كلتا الحالتين فإنها تؤدي إلى الابتعاد التام عن مشاكل الحياة ، وأتذكر هنا أن الرئيس الراحل أنور السادات قبل اتخاذه قراراً مصيريا مثل قرار حرب أكتوبر 1973 كان يذهب ليستجم في قريته وبعيداً عن كل المؤثرات لكي يحظى بالصفاء الذهني الذي لا يقلل من حدة التوتر فحسب بل يساعد أيضاً على اتخاذ القرارات حتى في أحلك الظروف وأشده تعقيداً.