شئ من الحكمة (1)


لعل القارئ قد لاحظ في أثناء مطالعته لهذه المدونة أنها قد قدمت له بعض الحقائق العلمية المتعلقة بالبروستاتا وأمراضها ولا تكتمل الصورة في الذهن إلا بأن يضاف إليها شئ من الحكمة ،والحكمة هي وضع الشئ في موضعه وهي هنا أيضاً تقديره الواقعي كماً وكيفاً.
ما أكثر ما يجيئنا مريض يحمل مظروفاً ضخماً به مجموعة من الأوراق هي مزيج من التحليلات لإفراز البروستاتا تتخللها وصفات
الأطباء وبحوث أخرى لازمة وغير لازمة ويروي لنا تاريخنا مؤسفاً خلاصته أن شعر منذ خمس سنوات ببعض الفتور الجنسي ،فهرع إلى الطبيب وبدأت رحلة العذاب هذه :تحليل ، ومزرعة ،يليهما مضاد حيوي ثم جلسات علاج موضعي مرتين أو ثلاث كل أسبوع ثم إعادة للتحليل واستئناف للعلاج والدواء حتى أصبح ثلث نهاره مقيماً بالعيادات ولا يلاحظ المريض أي تحسن في الأعراض وربما زادت ازدادت سوءاً في بعض الأحيان ويبقى ذهنه دائماً معلقاً بعدد خلايا الصديد في آخر تحليل ،فيسر إن انخفض من خمسين إلى عشرين ويحزن إن زاد من عشرين إلى ثلاثين.
كل هذا عبث سخيف ومضيعة للوقت والمال ولو حسب ما أنفق بين استشارة وأجر معمل وثمن دواء لهاله المبلغ الذي يصل إلى ثمن سيارة أو ما أشبهه وقد تسرب منه بالتدريج على مدى السنوات ،أضف إلى هذا تعرضه للآثار الجانبية للمضادات الحيوية وكآبته من كونه مريضاً مزمناً.
ولاشك في أن نسبة الفتور الجنسي إلى التهاب البروستاتا المزمن مشكوك فيها ونسبة الصديد إلى الميكروبات غير متفق عليها ،إذ قد يكثر الصديد بلا ميكروب ،أضف إلى هذا أن بعض شباب الأطباء يلقون الرعب في قلوب المرضى وينذرونهم بأن إهمال العلاج أو وقفه قبل عودة عدد الخلايا في الإفراز إلى الحد الطبيعي سيكون فيه القضاء علي قوتهم الجنسية وهذه العبارة وحدها كفيلة بالقضاء على قدرتهم الزوجية ،حيث أن نوعاً من الخوف الكامن في أغورا النفس يوجد دائماً وراء أغلب حالات الضعف الجنسي وقد يتسبب الطبيب باندفاعه وحسن نيته في بث هذا الخوف في نفس المريض فيؤذيه من حيث أراد نفعه ،فلئن كانت هناك عقاقير ضد الميكروبات فلا ريب في أن الطب لم يكتشف دواء يذهب لا خوف أو يطرد الرعب من الأفئدة.
أما بالنسبة للتضخم الحميد ،فكثيراً ما يؤدي نطق الطبيب بهذا التشخيص على مسمع من المريض إلى أن يقع هذا الأخير فريسة للكآبة وتوقع الشر والبلاء المستطير ويبدو له ـ وهو الذي أدركته الشيخوخة ـ أنه قد أصبح مرشحاً لعملية آتية لا ريب فيها ، جراحة خطيرة أنى له أن يتحملها وقد وهن منه العظم وضعفت الحواس وربما جالت بفكرة أسوأ الخواطر وأشدها سواداً والحقيقة التي ينبغي أن نؤكدها هنا أن غالبية المسنين الأصحاء الذين يراهم المريض حوله يؤدون عملهم بنشاط وينظرون للغد بأمل ورجاء ، ويتقاتلون على المناصب والثروات مصابون بدرجة ما من تضخم البروستاتا وأغلبهم لا يشكون من شئ وأقلهم يلاحظون متاعب بسيطة في ليالي الشتاء وأقل من القليل من يحتاج للعلاج ومن قلة القلة هذه ينصح البعض بالدواء فيستجيبون له ويسعدون به وفئة محدودة هي التي تحتاج لعملية ليست خطيرة بحال.
إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لمرض السرطان ،فهو مرض خطير بحق وعلاجه في مراحله المبكرة أمر حتمي وتركه ليستفحل وينتشر إهمال لا يغتفر فإن ثار الشك فعلى الطبيب أن ينبه بحزم وصرامة على وجوب إجراء البحوث لتثبت وجوده أو تنفيه.

خريطة دليل البروستاتا السابق