أ ـ الفحص الإكلينيكي

عند تقييمنا لحالة الكبد ، نلجأ إلى وسائل متعددة لفحصه ، منها الفحص الإكلينيكي (السريري) ،والتصويري ، والمنظاري ، والمعملي ، والباثولوجي ، كل وسيلة من هذه الوسائل تمثل وجه نظر ، لأن الكبد في بنائه ووظائفه أشبه ببلورة متعددة الوجوه ، نحاول بجمعها وتكاملها أن نكون صورة صادقة عن موقف الكبد.

أ ـ الفحص الإكلينيكي:

نبدأ دائماً بالاستماع إلى المريض والإصغاء ألي حكايته، بالكبد: وما أعراضه؟ بعض المرضى ينتبهون بسرعة إلى أن شيئاً غير طبيعي قد ألم بالكبد:يرقان (اصفرار الجسم) مثلاً، أو ألم محدد في منطقة الكبد، أو تضخم واضح في حجمه (الربع الأيمن العلوي من البطن).

والبعض الآخر يلجئون إلى الطبيب ، لأعراض عامة لا يعرفون مصدرها ، ولا يدرون أن سببها مرض الكبد : ورم القدمين مثلاً من امتلائهما بالماء (أوديما) ، أو سيولة في الدم ونزف من الأنف أو اللثة أو الجلد ، أو عسر هضم وفقد شهية ، ومن الناس من يلجأ إلى طبيب الإمراض الجلدية بسبب حكة أو "هرش" مزمن ومنتشر في الجسم ، والسبب مرض في الكبد ، ومنهم من يستشير طبيب الأمراض العصبية والنفسية ، لضعف الذاكرة والتركيز أو ارتعاش اليدين أو اضطراب النوم ، والسبب في الكبد.

ثم هناك إعراض أو علامات غير مباشرة سرعان ما توجه الانتباه إلى الكبد ، منها مثلاً : تضخم الطحال ، وهو عرض شائع ومشهور خاصة بين مرضى البلهارسيا في الريف ، وهؤلاء الناس ينشغلون ويهتمون بالطحال وينسون أن سببه الكبد ، والشئ نفسه يقال عن استقاء البطن (انتفاخه وامتلائه بالماء) ، أو قئ الدم (من نزف دوالي المرئ) ، فقد تكون هذه العلامات هي أول بادرة تنبهنا إلى مرض الكبد ، وشبيه بذلك أن يفحص الشخص العادي فحصاً شاملاً من قبيل الاطمئنان ، أو عند التقدم لوظيفة أو عمل جديد ، فتجرى له تحاليل معملية روتينية : وإذ بها تكشف عن خلل واضح في وظائف الكبد.

كل هذه نماذج من أعراض مرضى الكبد وشكاواه بالحقن،لهذه الحالات علينا أن نتحرى الدقة ونتقصى كل سؤال ، فقد يكون بالغ الدلالة والأهمية : جنس المريض وسنه : هناك أمراض خاصة بالأطفال مثلاً ، وأخرى بالإناث وخاصة في مرحلة الحمل ، مكان الإقامة وطبيعة العمل : أمراض الريف معروفة وأشهرها البلهارسيا ، أمراض المهنة أيضاً معروفة : المهنة الطبية وتعرضها للعدوى بفيروسات الكبد أو لأدوية التخدير ، الكيماويون أو المشتغلون بالصناعات الكيماوية أو المبيدات الحشرية ، العادات والأمراض السابقة : الخمر (المشروبات الكحولية ) والمخدرات (شم أو بلع أو حقن )، هل سبق للمريض أن أصيب باليرقان من قبل ؟ وهل تعرض لعلميات جراحية أو لنقل الدم ؟ وهل عولج من قبل بأي أدوية سواء بالفم أو بالحقن، بما في ذلك علاج البلهارسيا ؟ وهل تعرض المريض لأي مرض سابق ، في مصر أو في الخارج (كالملاريا مثلاً في إفريقيا)؟ وهل عرف عن المريض وجود أفراد آخرين في الأسرة مرضى بالكبد أو باليرقان أو بالأنيميا؟.

ثم إذا انتقلنا إلى البحث عن العلامات الإكلينيكية بالوسائل المعروفة : المعاينة والجس والقرع والتسمع ، بدأنا بنظرة شاملة للجسم بحثاً عن أي علامة من علامات مرض الكبد : اليرقان ،وهو اصفرار الجلد والعينين ، أشهر هذه العلامات ، ولونه يتفاوت في شدته من الأصفر الفاتح الليموني (كما في الأنيميا الناتجة من تحلل الكرات الحمراء) إلى الأخضر الداكن الزيتوني (كما في انسداد القنوات المرارية) وقد أفردنا موضوعاً كاملاً لليرقان ، نظراً لأهميته وتعدد أسبابه .

هناك تغيرات أخرى في الجلد قد تكون ذات دلالة ، منها مثلاً احمرار الكفين ، العناكب الشريانية ، وهي تفرعات شعيرية من احد الشرايين الدقيقة في جلد الجزء العلوي من الجسم ، كدمات الجلد من سيولة الدم ، "فرفرية" Purpura وهي نقط نزفيه دقيقة وخاصة في الساقين سببها نقص صفائح الدم أو ضعف في الشعيرات ، امتقاع الوجه أو اصطباغ جلد الرجلين بلون رمادي أو بني.

هناك أيضاً من علامات مرض الكبد المزمن اضطراب وظائف الغدد الجنسية ، في الذكور : ضعف الشهوة والقدرة ، تساقط شعر الجسم كالإبط والعانة والذقن ، تضخم الثدي(وقد يكون مؤلماً ) ، وصغر حجم الخصية أما الإناث ، ففيهن اضطراب الحيض وقد ينقطع ، وضمور الثدي وضمور الرحم ، الخصوبة عادة ضعيفة أو منعدمة .

ولأمراض الكبد أيضا علاماته في الدورة الدموية : دفء الأطراخاصة: دمها ، سرعة النبض وتواثب دقاته ، وانخفاض ضغط الدم ،وله أيضا علاماته العصبية : رعاش (ارتعاش ) الجسم ويبدو واضحاً في اليدين والذراعين المبسوطتين فهما أشبه بخفق جناحي طائر ، تغير رائحة النفس (نتن الكبد) ضمور عضلات الأطراف ، تغيرات ذهنية ونفسية كضعف الذاكرة والتركيز أو اضطراب النوم ، وقد يتحول تدريجياً إلى غيبوبة كاملة .

بعد هذا الفحص الشامل نركز الاهتمام على البطن عامة والكبد خاصة :

شكل البطن وحجمه قد يكون طبيعياً ، أو يكون منتفخاً من هواء أو سائل أو عضو متضخم أو مزيج من أيها ، هنا نستعين بالجس والقرع ، وفي حالات الاستسقاء وامتلاء البطن بالماء تنفرج الضلوع السفلى فوق المراق وتتباعد عضلات جدار البطن وقد يبرز فتق سري أو أربي أو يتجمع الماء في الصفن (كيس الخصية ) ،وكثيراً ما تحتقن الأوردة المتصلة بالوريد البابي أو الوريد الأجوف فتبرز في جدار البطن وتتجمع حول السرة ، وقد يحس سريان الدم فيها بالأنامل أو يسمع بالمسماع وكأنه خرير أو هدير موج البحر .

أما الكبد فنستعين أولاً بالجس لتحديد حافته السفلى ، هذه الحافة تتحرك نزولاً وصعوداً مع التنفس العميق ، ولذلك تحس بسهولة أسفل الضلوع في الرياضيين والمغنيين ، وأما القرع بالأصابع فيساعدنا على تحديد حافة الكبد السفلى متى تعذر علينا جسه ، وهو أيضاً الطريقة الإكلينيكية الوحيدة لتحديد حافته العليا ،ونحن دائماً تقدير حجم الكبد ، وقوامه ، وملمسه ، هل هو مؤلم للمس؟ هل هو نابض يحس بالعين واليد ؟ هل يسمع له لغط أو فوقه احتكاك بالمسماع ؟ إن "باع" Span الكبد الأمامي ، وهو أقصى المسافة العمودية بين حافتيه العليا والسفلى في الخط المنصف للترقوة اليمنى ، يبلغ عادة 12ـ15 سم ، ويتفق في ذلك القرع بالأصابع مع قياس حجم الكبد بالموجات فوق الصوتية ، وحجم الكبد قد يكون طبيعياً ، أو متضخماً ، أو منكمشاً ،وقد يختلف الفصان فيكون أحدهما أكبر أو أصغر من الآخر ، ولكل علامة من هذه دلالتها ، وفص الكبد الأيسر يشغل منطقة فم المعدة (الشراسيف) ، وهو مكشوف يسهل جسه ، وحافته السفلى في منتصف المسافة بين طرف قص الصدر والصرة.

وأما المرارة فلا ترى ولا تجس إلا إذا كانت منتفخة ، وتصبح عندئذ كيساً ممتلئاً بالسائل أشبه بشكل الكمثرى وحجمها ، ويسهل فحصها بدفعها إلى أسفل مع الشهيق .

والطحال عضو أساسي في فحص البطن عامة ، وتقييم دورة بالنسبة للكبد خاصة ، لأن الطحال ، كما قيل ، هو "غدة الكبد" ، يتأثر بمرضه فيحتقن ويتضخم ،والطحال عادة لا يجس في الشخص الطبيعي البالغ ، لأنه يرقد خلف المعدة وفي حمى الضلوع اليسرى السفلية ، فإذا تضخم الطحال امتد إلى الأمام وإلى أسفل في اتجاه السرة ،وأمكن جسه متى ظهر من تحت الضلوع ، ويساعد في إظهاره الشهيق العميق ، وعلينا أن نحدد حجم الطحال ، وقوامه وملمسه ، وهل يسمع صوت احتكاك فوق (من التصاقات به مثلاً)؟ وهل هو متجانس السطح الكبد،بدون نتوءات ؟

ويكتمل فحص البطن بجس باقي محتوياته ، وخاصة الأمعاء ، وكذلك البحث عن أي تضخم في العقد (الغدد) اللمفية .
خريطة دليل الكبد السابق