د ـ الصفراء

الصفراء هي الإفراز الخارجي للكبد ، وهو سائل أصفر فاتح اللون ، يفرزه الكبد في نحو نصف لتر في اليوم الواحد ، ثم يتركز في كيس المرارة فينقص حجمه ويتحول إلى لون بني ذهبي أو أخضر داكن قبل أن يفرغ في الأمعاء ، والصفراء ، بالإضافة إلى الدهنيات المفسفرة والكولسترول ، تحتوي على عنصرين أساسيين ، هما أحماض الصفراء (الأحماض الصفراوية) وصبغ الصفراء (البليروبين) ، ولكل منهما قصة طويلة لابد من سردها لفهم مغزاها وتفسير نتائجها ، منها مثلاً اليرقان (اصفرار الجسم) وأسبابه ، أو مثلاً تفسير تكوين حصيات المرارة وأنواعها ، لذلك سنحاول شرح كل من هاتين القصتين في أقصر عبارة ، ودون إخلال بأهم معالمها .

أحماض الصفراء تتكون من مادة الكولسترول في الكبد ، وهما حمضان رئيسيان : حمض كوليك ، وحمض كينوديزوكسي كوليك ، بعد ذلك ينتقل هذان الحمضان من الصفراء إلى الأمعاء ، فيؤديان وظيفتهما الهامة في هضم الدهنيات وامتصاصها ، ويتحولان إلى حمضين آخرين هما : حمض ديزوكسي كوليك ، وحمض ليثوكوليك 10% من هذين الحمضين يضيع مع البراز ، والباقي (90%) يعود من الأمعاء إلى الكبد ، فيستأنف دوره في تنشيط الكبد واستعادة أحماض الصفراء من جديد ، ويكون على الكبد أن يعوض الفاقد في البراز بتخليق أحماض صفراوية جديدة (أي الـ10%).

هناك إذن دورة مستمرة هي دورة الأمعاء والكبد ، وتتكرر هذه الدورة من 215 مرة في اليوم الواحد ، حسب اختلاف الأشخاص واختلاف الظروف ،وهذه الأحماض الصفراوية منذ بدء تكوينها في الكبد تقترن بأحماض وظائفها المتعددة ، فهي تحافظ على سيولة الصفراء وانسيابها بفضل إبطالها لظاهرة التوتر السطحي ، وهي تحول الدهنيات إلى مستحلب يمكن امتصاصه من الأمعاء ، كما أنها تساعد إنزيمات البنكرياس على هضم الدهنيات والبروتينات .

أما صبغ الصفراء (البليروبين) فله قصة أخرى طويلة يمكن أن نبدأها بمادة الهيموجلوبين ، وهو الصبغ الأحمر المعروف الذي يلون كرات الدم الحمراء .

ينشأ الهيموجلوبين في نخاع العظم في مرحلة تكوين كرات الدم ، وهو مركب من ثلاث مواد حديد ، و بورفيرين ، وجلوبين ، أما الحديد فأمره معروف ، مصادره خارجية هي الغذاء ، وداخلية من تحلل أنسجة الجسم وخلاياه (بما فيها كرات الدم المستهلكة ) ، وأهم مخزن للحديد هو الكبد وأما المكونان الآخران ، البورفيرين والجلوبين ، فهما مركبان من البروتين والأحماض الأمينية (وخاصة الجليسين) ، يخلقهما الكبد ويصدرهما ، ومعهما الحديد ، إلى نخاع العظام لتصنيع الهيموجلوبين اللازم لتكوين كرات الدم الحمراء .

تعيش الكرات الحمراء في المتوسط 120 يوماً ، تستفد عمرها وتصبح مستهلكة ، فيتولاها عندئذ جهاز خاص في الجسم هو النسيج الشبكي البطاني ، ومن أهم أعضائه الطحال ، يتعامل هذا الجهاز مع الهيموجلوبين المستهلك فيفك مكوناته : الحديد والجلوبين ، ويعادان إلى مخازن الجسم لاستعمالهما من جديد ، أما البورفيرين فيفك مرة أخرى إلى مكون أبسط هو صبغ الصفراء الأخضر(بليفردين) ومنه إلى صبغ الصفراء الأحمر(بليروبين).

يسرى البليروبين في الدم فيلتقطه الكبد ويحوله إلى صورة مختلفة في غاية الأهمية ، ذلك لأن البليرويين الساري في الدم غير قابل للذوبان في الماء (ولذلك يسمى بليروبين غير مباشر) ، فإذا التقطه الكبد ربط بينه وبين مادة آخري هي حمض الجلوكيورنيك الذي ذكرناه من قبل كمثال لعملية الاقتران ، وبذلك يتحول البليروبين إلى بليروبين " مقترن" أو "مباشر" قابل للذوبان في الماء ، عندئذ يتعامل الكبد مع البليروبين المباشر فيفرزه في الصفراء ، ومنها إلى الأمعاء تفض البكتريا اقتران البليروبين وتختزله إلى مادة أخرى هي الستركوبيلينوجن ، جزء منها يخرج مع البراز فيلونه ، والباقي يعاد إلى الكبد فيفرزه من جديد(كما في دورة الأمعاء والكبد ) ، وقد يتسرب جزء منه عبر الكلى إلى البول فيسمى باسم آخر هو اليوروبيلينوجن .

هذه القصة الطويلة، رغم كل اختصاراتها، لا مفر من سردها إذا أردنا أن نفهم ظاهرة اليرقان فهما منطقياً مقنعاً، لأن اليرقان كعرض من أهم علامات مرض الكبد وأكثرها دلالة، وسنجد المزيد من الشرح في الموضوع الخاص باليرقان في هذا الموقع.
خريطة دليل الكبد السابق