الاستسقاء هو تجمع سائل في التجويف البريتوني ، يملأ البطن وينفخه ، وهو مرض شائع ومعروف من قديم ، وصفه الفراعنة في البرديات ، واليونان في كتابات أبقراط جالينوس ، والعرب في مؤلفات الرازي وابن سينا ، هذا المرض يفرض نفسه على أعين الناس عامة قبل اللجوء إلى الأطباء ، إلا أن القدماء لم يفهموا أسبابه وطبيعته بوضوح ، كان ابن سينا يميز بين ثلاثة أنواع من الاستسقاء : زقي ، سببه مادة مائية تنصب إلى فضاء الجوف ، ولحمي ، سببه مادة بلغميه تغشو مع الدم في الأعضاء ، وطبلي ، سببه مادة ريحية ولاشك أن الاستسقاء الزقي هو النوع الذي نعنيه بكلامنا هنا .
أولاً : الأسباب :
يتوقف الاستسقاء على سببين رئيسيين :
1 ـ انخفاض نسبة الزلال (الألبيومين) في الدم الذي يتحكم في الضغط الأسموزي للبلازما ، ومن ثم في الرشح من الغشاء البريتوني الذي يكسو تجويف البطن ، هذا الانخفاض في نسبة زلال الدم ، ينجم عادة عن عجز الكبد عن تخليق الزلال ، خاصة إذا انكشف هذا العجز في مواجهة ظروف طارئة كالنزف أو العدوى أو الإسهال الشديد .
2ـ ارتفاع ضغط الوريد البابي ، الذي الاستسقاء:فع السائل الراشح من الأوعية الدموية إلى تجويف البطن ، هذا العامل سبب محلي ولا يكفي وحده لإحداث الاستسقاء إلا إذا اجتمع إليه فشل الخلايا الكبدية وعجزها عن تخليق الزلال ، ولذلك فإن أهم مسببات الاستسقاء وأكثرها شيوعاً هو تليف الكبد ، حيث يجتمع السببان .
نحن نميز عادة بين مرحلتين في تاريخ الاستسقاء : نشأته ، واستمراره. أنا نشأته ، فهي كما قلنا تتوقف على انخفاض زلال الدم ، وارتفاع ضغط الوريد البابي ، هنا يتدفق السائل من الأوعية الدموية إلى تجويف البريتون ويتجمع فيه ، وهذا السائل المتجمع ليس في حالة سكون وركود ، بل هناك تبادل مستمر بين الأوعية الدموية وتجويف البطن عبر الغشاء البريتوني ، إلا أن الحصيلة النهائية هي مزيد من تراكم السائل داخل البطن ، يقابل ذلك مزيد من تسرب الماء (السائل) من الأوعية الدموية وجفاف سائر الجسم ، ما أشبه ذلك بالصورة التي رسمها الشاعر العربي لقافلة الجمال التي تعبر الصحراء محملة بخزانات (بقرب) الماء ، وهي في الوقت ذاته ظمأى من العطش :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
(العيس هي الإبل التي يخالطها بياضها شقرة)
هذا الجفاف من تسرب ماء الجسم يحفز قوى الدفاع للحفاظ عليه ، فتتشبث الكلى بالصوديوم للاحتفاظ معه بالماء ، وتساعد الغدة الكظرية (فوق الكلوية) بزيادة إفراز الألدوستيرون الذي يساعد في احتفاظ الجسم بالصوديوم والماء ، والغدة النخامية هي الأخرى تشارك بهرموناتها الذي يساعد على احتجاز الماء في الجسم ، وحصيلة هذا كله هو استعادة السوائل إلى الأوعية الدموية العطشى ، إلا أن الأسباب الأولى لنشأة الاستسقاء لا زالت قائمة ، فيزيد التدفق مرة أخرى إلى تجويف البطن ويزيد امتلاؤه ، وندخل في حلقة مفزعة تنقلنا من نشأة الاستسقاء إلى استمرار بقائه .
هذا الفهم التفصيلي أمر ضروري ، إذا أردنا أن نسيطر على هذه الظاهرة الكئيبة ومحاولة علاجها ، وهناك أيضاً عوامل أخرى تستحق الاعتبار ، منها مثلاً ازدياد تورد الأوعية الدموية ونفاذ أغشيتها المنتشرة في بريتون الأحشاء ، ومنها أيضاً تزايد لمف الكبد مع اختناق دم الأوردة الكبدية وارتفاع ضغطها ، وهناك أيضا أسباب أخرى مؤثرة في ظروف خاصة نذكرها في مكانها .
خريطة دليل الكبد | السابق |