لهذا الالتهاب أنواع وأسباب عدة ، أهمها :
1 ـ الالتهاب الكبدي الفيروسي بنوعيه ب و ج.
2 ـ الالتهاب الكبدي المناعي ، وسببه اضطراب في مناعة الجسم ، يغير من طبيعة غشاء الخلايا الكبدية ، فتتحول إلى أنتيجينات (مولدات للمضاد) ، وهذه تستثير الجسم فينتج أجساماً مضادة تتفاعل معها وتلهب الخلايا ، ويصبح بذلك التهاباً مناعياً ذاتياً .
3ـ الالتهاب الكبدي الكيميائي ، وينتج من مضاعفات بعض الأدوية ، أشهرها ميثيل دوبا (المستعمل في علاج ضغط الدم ) ، أيسونيازيد (المستعمل في علاج الدرن) ، نيتروفيورانتوين (لعلاج تلوث المسالك البولية) ، ثم هناك أيضاً الكحول ( من شرب الخمر) .
4ـ التهابات أيضية (ميتابولزيمة ) نادرة ، منها مروعلاماتها، وسببه خطأ في أيض النحاس في الجسم يؤدي إلى التهاب الكبد وتليفه ،ومنها أيضاً نقص خلقي في إنزيم من الإنزيمات يؤدي إلى مرض الكبد واليرقان منذ الولادة .
هذه الالتهابات المزمنة تشترك في كثير من أعراضها وعلاماتها ،وتتباين أيضاً بتباين أسبابها ، وسنفصل الكلام على النوعين الأولين ، فهما أكثرها شيوعاً :
1 ـ التهاب الكبد المناعي المزمن النشيط:
يصيب هذا المرض أكثر ما يصيب الشباب ، وبخاصة النساء ، التهابه كثيراً ما يستمر شهوراً أو سنين دون أعراض تذكر ، وتكون البداية ظهور اليرقان ، إلا أن آخرين يشعرونه بالإعياء ، أو بالنزف من الأنف أو اللثة ، او ظهور العناكب الشريانية على الوجه والرقبة والذراعين ، أو انقطاع الطمث في النساء ، والفحص يبين أن الكبد متضخم وجامد ، والطحال عادة محسوس ، وقد تصاحب ذلك علامات مناعية أخرى في الجسم منها : التهاب الغدة الدرقية (مرض"هاشيموتو") ، والتهاب المفاصل ،وارتفاع درجة الحرارة ، وتغيرات مناعية في الكلى أو في الرئتين ، أو طفح الجلد الشبيه بالذئبة الحمراء ، أو علامات فرط نشاط الغدة الكظرية ، أو البول السكري ، او الأنيميا التحللية وغيرها من اضطرابات الدم .
أما وظائف الكبد الكيميائية فأهمها : ارتفاع نسبة البليروبين ، ارتفاع نسبة الإنزيمات ، ارتفاع ملحوظ في نسبة الجاما جلوبيولين ، ثم وجود الأجسام المضادة لأنسجة الجسم في الدم ز
وأما عينة الكبد فلها أهمية خاصة متى سمح تجلط الدم بإجرائها .
والعلاج عادة بدواء بريدونيزولون (من مركبات الكورتيزون) ، يبدأ عادة بجرعة من 20ـ30 مجم يومياً لمدة أسبوع ، ثم تنقص إلى 10ـ15 مجم يومياً .
ويستمر العلاج شهوراً أو سنين حسبالنشيط: الحالة ، وأحياناً نساعده بدواء آخر هو أزاثيوبرين 50ـ100 مجم يومياً ، وفي مثل هذه الأدوية الطويلة العلاج ، علينا أن نتنبه دائماً للمضاعفات المحتملة : البول السكري ، نخلخل العظام ، تغير صورة الدم .
أما بالنسبة لمستقبل المرض فهو بطبيعته متقلب ، وينتهي عادة بتليف الكبد ومضاعفاته .
2ـ التهاب الكبد الفيروسي المزمن النشيط :
سنشرح أولاً المرض الناجم عن الفيروس ب ، ثم نعلق بعده على المرض الناجم عن الفيروس ج .
هذا الالتهاب الفيروسي المزمن قد يبدأ حاداً في أوله ، إلا أن أكثر المرضى به لا يشعرون ولا يذكرون بدايته ،وكثيراً منهم لا يشكون عرضاَ ، بل تكون البادرة فحصاً روتينياً إكلينيكيا أو معملياً ، يكتشف بعدها أن الكبد متضخم وجامدا ، او أن وظائفه الكيميائية مختلة ، بعض الناس يحسون بالإعياء ، او بيرقان خفيف يذهب ويعود ، وآخرون يلفت نظرهم ارتفاع نسبة الإنزيمات (الترانسامينازات) في الدم ن ومنهم من يتحول إلى تليف الكبد فيؤدي إلى الاستسقاء أو إلى النزف من ارتفاع ضغط الوريد البابي ، والبعض يتطور إلى سرطان الكبد .
الفحص المعملي يبين ارتفاع متوسط في نسبة البليروبين والإنزيمات والجلوبيولين ، أما الأجسام المناعية المضادة لأنسجة الجسم فتكون عادة سلبية ، ومن المهم متابعة دلالات الفيروس الكبدي ب ، فالأنتيجين السطحي HBSAG يكون متوافراً في الدم في بداية المرض ، ولكن العثور عليه يصعب مع تقدم الحالة ، أما الأنتيجين HBEAG ، وهو دليل العدوى ودليل تكاثر الفيروس ، فهو يدعونا إلى أن ننصح المريض بحماية زوجه وأهل بيته من العدوى بالتطعيم من الفيروس ب ، متى ثبت أنهم سلبيون للفيروس ، ونتابع أيضاَ الجسم المضاد HBEAB ، خاصة أثناء العلاج بالأدوية المضادة للفيروس ، لأن التحول من الأنتجين إلى الجسم المضاد له في الدم يعني عادة انتهاء تكاثر الفيروس وتكامله مع نواة الخلية الكبدية .
وأخذ عينة من الكبد بالإبرة أمر ضروري لتشخيص المرض وتحديد درجة الإصاببذلك،يروس ب أصباغ خاصة ، مثل صبغ الأورسين لتلوين العينة ، كما أن الفحص الهستولوجي لنسيج العينة يكشف عما قد يصاحب الالتهاب من تغيرات أخرى كالتليف أو السرطان .
أما العلاج فنصح المريض أن يكون طبيعياً في غذائه وفي نشاطه طالما يحس بذلك ، ولا مصلحة لنا في التزام السرير ولا في الطعام المسلوق الذي يعافه المريض .
وأما الأدوية المضادة للفيروس ، فأهمها في مرضنا هذا هو "الإنتروفيرون" ، وله قصة ، فقد جربت عشرات الأدوية لعلاج الالتهاب الكبدي الفيروسي ، فرادى ومجتمعة ، بعضها مضاد للفيروس وبعضها منبه للمناعة أو مثبط لها ، والإنترفيرون على أنواع ثلاثة : ألفا وبيتا وجاما ، ثم إن الإنترفيرون ألفا له مصدران : الخلايا شبه اللمفية ، وتكنولوجيا هندسة الجينات ، واستقر الرأي على أن أفضل المتاح هو العلاج بالإنترفيرون ألفا بجرعة من 3ـ5 مليون وحدة حقناً تحت الجلد يوماً بعد يوم ، ثلاثة أيام من كل أسبوع ، مع مراقبة صورة الدم ووظائف الكبد دورياً ، ويستمر العلاج عادة من 3ـ6 أشهر ، وقد يمتد أطول من ذلك حسب استجابة الحالة ، بعض الناس يشعرون بارتفاع الحرارة والأوجاع عقب كل جرعة ، ولذلك نفضل حقنهم مساء مع مسكن مناسب مثل باراسيتامول .
نسبة النجاح مع هذا العلاج تتراوح بين 20ـ40% ، وأفضل النتائج مع المرضى الذين يبدءون العلاج وعلامات الالتهاب واضحة شديدة (في التحليل الكيميائي وفي نسيج عينة الكبد ) ، ولا مكان للعلاج بالإنترفيريون إذا كان الكبد متليفاً ووظائفه منهارة.
وهناك تجارب الملح:لدواء آخر مضاد للفيروسات اسمه "ريبافيرين" ، ودواء ثالث منبه للمناعة اسمه "ليفاميزول" ، ومحاولات أخرى كثيرة ، ولكنها لم تستقر بعد على رأي نهائي متفق عليه.
ويظل السؤال الملح : ما مصير هذا المرض ؟ والإجابة صعبة ، خاصة في مصر ، لأن الاحصاءات المناسبة ليست متاحة ، ولان خريطة المرض ونمطه يختلفان من بلد إلى بلد ، فالبلهارسيا مثلاً ، إذا أصابت الكبد غيرت كثيرا من استجابته للعدوى بالفيروس الكبدي ب ، أضف إلى ذلك أن العدوى بفيروس آخر مثل فيروس د قد تضاف فوق العدوى السابقة ب ، وتزيد من تعقيدها .
وكصورة تقريبية نستطيع أن نستعين بالتقارير الأجنبية : نسبة الأحياء بعد 5 سنوات من المرض هي 97% للالتهاب الكبدي المزمن المثابر ، 86% للالتهاب الكبدي المزمن النشيط ، 55% للالتهاب الكبدي المزمن النشيط المصحوب بتليف ، النساء أخف إصابة من الرجال ، والعاقبة أسوأ لمن تجاوزا سن الأربعين ، أو في حالة الاستسقاء ، أو مع العناكب الشريانية .
وفي متابعة أخرى بعد 7 سنوات لمرضى الالتهاب الكبدي المزمن بفيروس ب تبين أن ثلث المرضى تحسنوا ، وثلثا آخر ظلوا كما هم ، والثلث الباقي ساءت حالتهم .
وهناك اتفاق عام على أن كل مريض بهذا المرض يكون قد تجاوز سن الـ45 عاماً يجب أن يفحص دورياً كل ستة أشهر بالموجات فوق الصوتية وبالتحليل للألفافيتوبروتين ،استباقاً لظهور السرطان في الكبد ، حتى إذا ظهر أمكن استئصاله وهو في مرحلة مبكرة .
أما الالتهاب الكبدي المزمن النشيط الناجم من الفيروس ج فهو مرض مخاتل ، أي يتسلل ببطء وهدوء ، بعض الحالات تعقب نقل الدم أو استعماله ، والغالبية لا تشعر بمقدمه ولا بظهور يرقان ملحوظ ، هذا الالتهاب المزمن مشابه لالتهاب الفيروس ب ، إلا أن أعراضه ونتائجه المعملية تتأرجح صعوداً وهبوطاً ، وكنا نشخص هذه الحالات باستبعاد الفيروسات الثلاثة الأخرى ( أ , ب ، د ) لكن تشخيص الفيروس ج بالجسم المضاد له ، أولاً بواسطة اختبار "الإليزا" ، ثم بعده بالاختبار الأدق المسمى "ريبا" ، لفت نظرنا إلى ارتفاع نسبة الإصابة به في مصر وفي بلاد أخرى مشابهة لظروفنا ، وإلى أن كثيراُ من المصابين بهذا الفيروس ج لم يسبق لهم العدوى عن طريق الدم .
وتقوم وزارة الصحة المصرية بمسح شامل لتحديد نسبة الإصابة بالفيروس ج C بين فئات المواطنين المختلفة وفي كل محافظات مصر ، كما تشرف أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا على دراسة تحدد مدى انتشار هذا الفيروس بين متطوعي الدم وبنوكه.
هذا الالتهاب المزمن قد يتحول إلى تليف كبدي ، وبعض التقارير من اليابان تؤكد ،ه هو الآخر قد يؤدي إلى السرطان .
علاج هذه المرض أكثر نجاحاً من دواء الإنترفيرون ، ونسبة الشفاء به نحو 50% من المرضى ، والجرعة اللازمة أقل عادة من تلك في علاج الفيروس ب ، يكفي 3 مليون وحدة 3 مرات أسبوعياً لمدة 3ـ 6 شهور ، إلا أن بعض الحالات تنتكس بعد انتهاء العلاج ، وعندئذ يمكن معاودة المحاولة ،وهناك تجارب جديدة تجمع بين الدوائين بالجرعات التقليدية :
ـ انترفيرون حنقاً تحت الجلد 3 مليون وحدة 3 مرات أسبوعياً .
ـ ريبافيرين بالفم 1000 ـ 1200 مجم يومياً .
ويستمر العلاج ستة أشهر ، والنتائج مشجعة ، وعلينا دائماً أثناء العلاج أن نتابع صورة الدم ، خصوصاً عدد صفائح الدم والكريات البيضاء بالنسبة للإنترفيرون ، ومستوى الهيموجلوبين بالنسبة للريبافيرين.
وبعض الباحثين يفضل استعمال الريبافيرين وحده ،ولمدة طويلة ،وبخاصة إذا كان الالتهاب مصحوباً بتليف الكبد ، أو كانت قلة عدد الصفائح أو الكريات البيض تحول دون استعمال الإنترفيرون.
خريطة دليل الكبد | السابق |