ب ـ مناطق الكبد المعرضة للآثار الجانبية للأدوية :

أثر دواء ما على الكبد يختلف من منطقة إلى أخرى في بناء الكبد ، وقد تتعدد المناطق التي يؤثر فيها دواء واحد ، ولكي نفهم الآثار الجانبية الضارة لبعض الأدوية فهماً يفسر أسبابها ويعالج نتائجها ، سنعرض لأمثلة من هذه الأدوية التي تؤثر في مناطق الكبد المختلفة ، (علماً بأن الأدوية ، على اختلاف فصائلها ، قد تسبب أي نوع من أنواع أمراض الكبد المعروفة ، وتتشابه معها ،وتصبح بذلك مصدراً للخلط والبلبلة ):
1ـ الخلايا الكبدية في مركز الفصيص (انظر فصل "بناء الكبد ")، وهي التي تحيط بالفروع الصغيرة للأوردة الكبدية ، هي أقل الخلايا نصيباً من الأكسجين ، وأكثرها تعرضاً لنواتج أيض الأدوية ، لذلك يسهل تراكم الشحم فيها وقد تتنكرز (أي تموت ) دون التهاب ملحوظ . أشهر مثال لنوع الأدوية التي تؤذي هذه الخلايا ، هو الباراسيتامول إذا كانت جرعته ضخمة ، حوالي 10 جم ، ويكون ذلك عادة نتيجة محاولة انتحار ، أو قد تكون الجرعة أقل من ذلك إذا صاحبها إفراط في الخمر وعلاجه بعد غسل المعدة ، حقن الوريد بدواء "أسيتيل سستيين". مثال أخر هو رابع كلوريد الكربون ، وكان شائع الاستعمال ، منذ أكثر من نصف قرن لعلاج الإنكلستوما ، ولكنه الآن قاصر على استعماله لأغرض صناعية او تجريبية في الحيوانات ،ومثال ثالث هو الهالوثين ، المستعمل في التخدير ، خاصة في النساء البدينات كبيرات السن ،ولاسيما إذا تكرر تعرضهن للتخدير بهذا المركب .
2ـ الخلايا المحيطة بالمسارات البابية ، وأشهر مثال يؤذيها وينكرزها (يميتها) هو الفوسفور إذا بلع بغرض القتل أو الانتحار كما في سم الفئران أو بعض المبيدات الحشرية ، هذه الخلايا الكبدية هي أولى الخلايا التي تصادف السم الوارد إليها من المعدة والأمعاء عن طريق الوريد البابي ، فيقع عليها العبء الأول .
3 ـ الالتهاب الكبدي الشامل قد ينجم من بعض الأدوية ، وقد يكون حاداً لا يختلف في أعراضه وفي تغيراته الباثولوجية عن الالتهاب الكبدي الفيروسي ، أو يكون مزمناً ومشابهاً لالتهاب الكبد المزمن النشيط . والأمثلة كثيرة ، منها الكحول (الخمر) ، الهالوثين (في التخدير) ، والأيسونيازيد (في علاج الدرن) ، والكيتوكونازول (لعلاج الفطريات) ، ومثيل دوبا (لعلاج ارتفاع ضغط الدم ) .
4 ـ وهناك نوع من التهاب الكبد سببه فرط الحساسية في بعض الأفراد لبعض الأدوية ، منها مركبات السلفا ، والكينيدين (لعلاج القلب ) ، وألوبيورينول (لعلاج النقرس) ، وأدوية المفاصل والروماتزم ،وأدوية الصرع ، والمضاد الحيوي ريفامبيسين (خاصة إذا أضيف إلى الأيسونيازيد) وكثير غيرها ، هذه الحالات قد يصاحبها اليرقان ، وقد تشاركها أعراض الحساسية الأخرى كطفح الجلد ، أو أوجاع المفاصل ، أو تغيرات في صورة الدم كارتفاع نسبة كرات الدم البيضاء من النوع أليفة الإيوسين ، أو تحلل الكرات الحمر.
5ـ تشحم الكبد قد ينجم من بعض أدوية الصرع ، ومن مركبات التتراسيكلين (مضاد حيوي) إذا حقنت في الوريد بجرعات كبيرة خاصة في الحوامل .
6ـ تليف الكبد : من أهم أسبابه دواء ميثوتركسات ، خاصة إذا طال استعماله في علاج مرض الصدفية أو اللوكيميا أو الروماتويد ، ويزيد الخطر مع تناول الخمر ، وفي عمال الصناعة مركب آخر قد يسبب تليف الكبد إذا طال التعرض له وهو كلوريد فينيل ،أما فيتامين أ فهو مصدر آخر للتليف ، إذا زادت الجرعة وطالت مدة استعماله .
7ـ الأوعية الدموية في الكبد هدف آخر للأذى من كثير الأدوية ، الأوردة الكبدية الصغرى ،وهي فروع من الأوردة الكبدية الكبرى ، قد تتأثر وتتمدد بسبب أقراص منع الحمل وغيرها من الهرمونات الجنسية ، التي تسبب ألماً في البطن وتضخماً في الكبد ، وقد تؤدي على المدى الطويل إلى تليف الكبد ، وهناك مرض انسداد الأوردة الصغرى سببه فلوانيات البيروليزيدين ، وصفت أولا في جاميكا (جزر الهند الغربية) ثم في مصر ، وتعزى إلى فطريات مختلطة بالقمح ،وقد تؤدي أيضاً إلى تليف الكبد ، أما جييبات الكبد (جيوب الأوعية الدموية ) وأوردة الكبد الكبرى (انظر مرض "بض وكياري" السابق ذكره) فهي هدف آخر لأقراص منع الحمل ،ولبعض أدوية علاج الأورام ، وللعلاج الإشعاعي .
8ـ القنوات المرارية ، صغيرها وكبيرها ، هي أيضاً هدف أثير للأذى من كثير من الأدوية ، على مستوى القنوات الصغيرة (القنيات) ، هناك الهرمونات الجنسية وحبوب منع الحمل (خاصة محتواها من الإستروجين) قد تؤدي إلى ركود الصفراء وظهور اليرقان ، وعلى مستوى أعلى نصادف دواء كلوريرومازين ، المستعمل في علاج الأمراض العصبية والنفسية ولمنع القئ وقد يؤدي إلى ركود الصفراء واليرقان الانسدادي ، وأدوية أخرى تؤدي إلى النتيجة نفسها ، منها : المضاد الحيوي إرثروميسين ، ودواء نيتروفيورانتوين ، ودواء لعلاج السكر هو كلوربروباميد .
9ـ حتى أورام الكبد ، لا تعفى الآثار الجانبية لبعض الأدوية من مسئوليتها ، خاصة الهرمونات الجنسية وحبوب منع الحمل ، أورام الكبد الحميدة نادرة جداً لدى السيدات اللاتي يستعملن حبوب منع الحمل ، قيل إن النسبة في أمريكا أقل من 4 في 100000 (مائة ألف) ، ولكن النسبة ترتفع مع طول مدة الاستعمال (أكثر من 4 سنوات ) ، وكبر السن (فوق سن الثلاثين ) ، وزيادة نسبة هرمون الإستروجين في الحبوب المستعملة ،والاتجاه الحديث إلى الإقلال من نسبة الهرمون فيها .
أما ورم الكبد الخبيث فهو أيضاً نادر مع استعمال الحبوب ، وإن كانت النسبة ترتفع إذا استمر الاستعمال لأكثر من 8 سنوات ، والنصيحة التي نوصي بها أن تلجأ السيد إلى الطبيب متى أحست بألم في البطن أو تضخم في الكبد ،وعندئذ تفحص وتصور بالموجات فوق الصوتية لاستبعاد أي اشتباه ، والبعض في مثل هذه الحالات يوصون بالتوقف عن استعمال الحبوب لو إلى حين . خلاصة القول إذن أن الدواء سلاح ذو حدين ،علينا أن نستعمله بحذر ، ولا نفرط في تعاطيه بغير داع ، وقد كان دَيْدان الأطباء أصحاب التجربة والحكمة ، من أيام أبقراط إلى وقتنا هذا ، أن يقتصدوا في وصف الدواء ، كان الرازي العظيم ، طبيب العرب الأول ، يقول "مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية ، ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب " وكان ابن زهر ، طبيب عظيم آخر في الأندلس ، رفيقاً بالمرضى ، حذراًومسقيه ؟" لقد رأينا إذن في عرضنا السابق ، أن كثير من الأدوية قد تسبب أعراضاً جانبية تؤثر في مناطق مختلفة من الكبد ، وأن الدواء الواحد قد يؤذي أكثر من منطقة واحدة ، وأصبحت تجربتنا اليومية أن يلجأ المريض إلى الطبيب ، وقد فوجئ بالصدفة لإجراء فحص روتيني شامل ن فإذا بالتحاليل الطبية تظهر ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة إنزيمات الكبد . 
علينا إذن أن نفكر في احتمال أن السبب هو تعاطي أحد الأدوية ، خاصة إذا كان المريض مسناً وتأكد لنا خلوه من فيروسات الكبد ، والتصرف الأمثل ، أن نوقف استعمال الدواء المشتبه ،ونعاود التحليل بعد بضعة أسابيع ، هناك طبعاً أدوية حيوية قد لا يستغني مريض معين عن تناولها ، وبعض هذه الأدوية تسبب ارتفاعاً محدوداً ومؤقتاً في إنزيمات تعود بعدها إلى معدلها الطبيعي رغم الاستمرار في تعاطيه ،عندئذ يمكن أن نسمح له بذلك بعد أن نتأكد ،وشركات الأدوية تعرف ذلك جيداً ، وتحرص على إبراز هذه الحقائق في النشرة المرفقة مع الدواء ، ثم هناك أجهزة رقابية حكومية مهمتها التنيه إلى الآثار الجانبية الضارة لأي دواء جديد لإعلام الأطباء وحماية المرضى .
خريطة دليل الكبد السابق