50 ـ لا تتخلى عن الأمل ولابد أن تتعلم الكثير عن الإجراءات الطبية والأدوية الحديثة. (6)

لقد كانت جزيرة تانجيير مرتعاً لهذه الأمراض المتنحية وهذه الجزيرة الصغيرة التي توجد في وسط خليج "تشيسابيك" استقر فيها مجموعة صغيرة من الإنجليز سنة 1680 وقليل من الأشخاص غادروا الجزيرة أو جاءوا إليها منذ ذلك الحين ونتيجة لهذا كان كل سكانها تقريباً لهم أحد الألقاب الأربعة للمستوطنين الأصليين ومن المنطقي في هذا المحيط الجيني المحدود أن يظهر العديد من أنواع الخلل الوراثي على السطح.
ولم يكن هناك الكثير من الشك في أن مرض تانجيير ينتج عن خلل وراثي إلا أن الطفرة الوراثية التي تؤدي لظهور هذا المرض ظلت أمراً محيراً حتى استطاعت الدكتورة "بروكسي ولستون" وزملاؤها أن يتعرفوا على خلل في جين ABC1 وأنه السبب في مرض تانجيير Tangier.
والشئ الذي اكتشفته الدكتورة"بروكسي" هو أنه بدون أن يؤدي هذا الجين ABC1 بطريقة مناسبة تتم إزالة الكولسترول من خلايا الجسم (مثل الخلايا المبطنة لجدران الشرايين) ثم تربط جزيئات الكولسترول نفسها في جزيئات تشبه في شكلها القرص لتسير في مجرى الدم ويصبح الكولسترول مندمجاً ذاتياً ويتحول إلى جزئ HDL ناضج وهذا الجزئ الناضج HDL يسحب الكولسترول إلى الكبد لكي يتم إزالته من الجسم في النهاية وهذه العملية كلها تعرف بعملية النقل العكسي للكولسترول.
وكما ترى فبدون عمل جين ABC1 بطريقة ملائمة يبقى الكولسترول في الخلايا ولا يتكون HDL ولا يتم النقل العكسي للكولسترول ولا يغادر مكانه وبالتالي يتجمع عند موضع بداية الانسداد وتزداد خطورة الإصابة بالأمراض القلبية بشكل مثير والمصابون بمرض تانجيير لديهم اثنان من جينات ABC1 الشاذة وكما لوحظ فإن خطر الإصابة بأمراض القلب تزداد لديهم ومن المعروف أن وجود جين واحد من هذا النوع يزيد من خطورة الإصابة بالأمراض القلبية (كما كان لدى والدي الطفل الذي كان عمره خمس سنوات).
وعلى الرغم من ندرة الإصابة بمرض تانجيير حيث تم تشخيصه فقط في حوالي 40 شخصاً فقط على اتساع العالم نجد أن حدوث بعض الخلل البسيط في جين ABC1 أمر شائع فإذا كنت تعاني مستوى كولسترول HDL في حدود 20 أو 25 ملجم/دل فربما تكون مصاباً بعيوب هذا الجين.
وهناك عدد من شركات البيوتكنولوجي تدرس بنشاط أدوية تعيد تنظيم عمل جين ABC1 ويعد مصطلح "إعادة تنظيم عمل" لغة غير مفهومة والمقصود هو "أن نجعله يعمل بجدية أكثر" ومن بين الشركات المنخرطة في هذا المجال شركة "سي في " للمنتجات الدوائية بالتعاون مع شركة "إنسايت جينومكس" وجامعة واشنطون وثمة شركة أخرى تعمل في هذا المجال هي شركة هايسك Hyseq بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وشركتا أنفنتيس Aventis وميرك Merck العملاقتان اللتان قيل إنهما تواصلان بنشاط العمل على إنتاج الأدوية التي تساعد على إعادة تنظيم عمل جين ABC1 وهذا البحث غاية في الأهمية ولاشك في أنه خلال السنوات القادمة سوف تظهر أدوية تساعد من يعانون عيوباً في هذا الجين .
ومع ذلك فلا يمكن إرجاع كل اعتلالات HDL إلى مشكلات جين ABC1 ولكن التمثيل الغذائي (أيض) لكولسترول HDL يعتبر معقداً ،فقد يؤدي إلى هذا الجين وظيفته بشكل كامل حتى لو كانت أرقام مستوى HDL منخفضة جداً وعندما تتكون جزيئات HDL يمكن توصيل الكولسترول إلى الكبد أو يمكن أن ترسل الكولسترول إلى جزيئات دهنية أخرى في مجرى الدم وهذه الجزيئات الأخرى تصبح أكثر غنى بالكولسترول وفي النهاية تتحول إلى جزيئات الكولسترول المنخفض الكثافة الضار LDL وهذه الجزيئات من LDL تنقل إلى الكبد لتوصيل الكولسترول.
ولكن لا تقوم كل جزيئات LDL بفعل ما يفترض أن تقوم به (وهو أن تسقط الكولسترول عند الكبد) فيمكن لبعض جزيئات LDL أن تصبح معدلة كيميائياً أو مؤكسدة وهذه الجزيئات لم تعد تنجذب إلى الكبد ولكنها تسقط الكولسترول في جدار الشرايين وهذا يحدث للأشخاص الذين يعانون ارتفاعاً في مستوى كولسترول LDL والمدخنين ومرضى السكر وعلى الجانب الآخر لا تصبح جزيئات HDL معدلة كيميائياً أو مؤكسدة.
عندما تقوم جزيئات HDL بتسليم الكولسترول إلى الكبد مباشرة يجب أن يتفاعل مع أي مستقبل على سطح خلايا الكبد ولكي يتمكن HDL من إسقاط الكولسترول ولابد أن يكون جزئ HDL هو الاختيار المناسب للمستقبل ويمكنك أن تتصور هذه العملية وكأنك أمام مفتاح وقفل ويحتمل أن يكون HDL محملاً بكثير من الكولسترول الذي سوف يسقطه ولكن إذا كان المستقبل (القفل) معيباً فإن المفتاح لن يعمل .
خريطة دليل الكوليسترول السابق